عبدالله المزهر

اللجوء الحيواني!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 14 يناير 2020

Tue - 14 Jan 2020

أتابع بقلق بالغ ما تمارسه السلطات الأسترالية من قمع ووحشية حيال الإبل الموجودة على القارة البعيدة. وقد تنامى إلى مسامعي أن السلطات هناك قررت إبادة الكثير من هذا الحيوان الجميل ـ أعتذر عن وصفه بالحيوان لكنه كذلك فعلا ـ حيث يطلق القناصة الأستراليون الرصاص من الجو على الجمال ـ بكسر الجيم ـ في جنوب أستراليا بسبب المخاوف من أن تدفع الحرارة الشديدة والجفاف الجمال إلى غزو مواقع الاستيطان البشري بحثا عن الماء.

والمؤسف أن هذا الأمر يحدث بالتزامن مع مهرجان الإبل لدينا حيث الكثير من الناس الذين يأتون رجالا وعلى كل ذات دفع رباعي من كل فج عميق، للمشاهدة والتشجيع والمؤازرة في مسابقة جمال ـ بفتح الجيم ـ الإبل السنوية. ويتراقصون في فرح وسرور وابتهاج بنياق القبيلة التي ألجمت نياق القبائل الأخرى بجمالها وفتنتها. ثم ينصرفون صادحين بالشيلات الحماسية التي تمجد صاحب الناقة وكأنه من خلقها.

وأنا بالمناسبة لست ضد مثل هذه الاحتفالات ولكني لا أفهمها فقط، فحين تكون مهتما بشيء ما فإنك تجد المتعة في متابعته، ولذلك فإنه يفترض بعاشق الإبل أن يبتهج حين يشاهد ناقة تفتنه، لا أن يكون مصدر «الفتنة» لديه هو أن الناقة اشتراها رجل من قبيلته وليس جمال الناقة وأناقتها وجاذبيتها بغض النظر عن مالكها.

والأستراليون إضافة إلى وحشيتهم في التعامل مع هذا الحيوان ـ أعتذر مجددا ـ فإنهم أنانيون أيضا أنانية مركبة، فهم أنانيون لأن أرضهم تعج بالأنهار والغابات والأشجار التي تحتاج لآلاف السنين حتى تفنى حتى مع وجود الحرائق الهائلة التي تجتاح بعض مناطق أستراليا حاليا، ولا أظن أن الإبل ستفسد أكثر مما يفسد الإنسان في أي مكان في العالم.

وهم أنانيون أيضا لأنهم فكروا في القتل مباشرة، ولم يفكروا في أن يعرضوا على بعض الدول استضافة الجمال الأسترالية كحيوانات لاجئة في الدول التي تقدر الجمال والجمال ـ بفتح الجيم وكسرها.

وللعلم فإن السعوديين ليسوا وحدهم من تستفزهم مجازر الإبل في أستراليا، الصوماليون على سبيل المثال نظروا إلى الموضوع بشكل أكثر حدة واعتبروه يرقى إلى درجة الإهانة غير المقبولة، وأن الأستراليين كان يجب عليهم إعادة الإبل إلى المكان الذي جاءت منه، فالصوماليون يعتقدون أن الإبل الموجودة في أستراليا تم نقلها من الصومال بواسطة البريطانيين الذين صادروها بعد احتلالهم للصومال في القرن التاسع عشر.

وعلى أي حال..

هذا مثال جيد وجديد على توحش الإنسان الغربي وهمجيته، وعلى عنصريته أيضا، فالأستراليون يصنفون على أنهم غربيون مع أنهم يعيشون مع الإبل الصومالية في أقصى الشرق. نحن مثلا ولأننا لسنا أنانيين مثلهم فنحن لم نفكر في الموارد المائية ولا في الغطاء النباتي ولم تشغلنا قضية الرعي الجائر، ونؤثر الإبل على أنفسنا حتى ولو كان بنا خصاصة. وهذه قمة الإنسانية.

agrni@