شكوك كبيرة وجدل واسع حول العصر الذهبي للفنون والثقافة الهولندية

الاثنين - 13 يناير 2020

Mon - 13 Jan 2020

في القرن الـ17 عاشت هولندا البلد الأوروبي الصغير ما يعرف بعصرها الذهبي، حيث كانت في ذلك الوقت أكبر قوة تجارية على وجه الأرض، متفوقة على إنجلترا وحتى إسبانيا التي كانت آنذاك امبراطورية لا تغيب عنها الشمس بمستعمرات في الأمريكتين وآسيا وإفريقيا.

وفي الوقت نفسه كان فنانون مرموقون وأكاديميون هولنديون يتصدرون المشهد العالمي للفنون والآداب والموسيقى في العالم.

ويستخدم مصطلح العصر الذهبي بصورة شائعة لوصف الفنون وغيرها من المنجزات التي تنتمي إلى ذلك العصر. في 2019 على سبيل المثال، أعيد استخدام المصطلح وانتشر على نطاق واسع بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ350 لميلاد الفنان الشهير رمبرانت، لكن شيئا على وشك التغيير، فقد أعلن متحف أمستردام، متحف العاصمة التاريخي، أنه لن يستخدم مصطلح "العصر الذهبي" بعد الآن، نظرا لأنه بالنسبة للأفارقة الذين أخضعوا للرق والعبودية على يد الهولنديين، كانت فترة لا يمكن وصفها بأي حال من الأحوال بأنها كانت عصرا ذهبيا.

وهناك جدل واسع حول الأمر ربما يفضي إلى تغيير أسماء شوارع ومتاحف ومدارس، بالإضافة إلى إزالة نصب تذكارية ومعالم أثرية من أماكنها، ولكن لا يوجد إجماع عام على ذلك. يتحدث البعض عن محاولة لكسر المعتقدات التاريخية والفكر السائد والاعتداء على التراث الثقافي والتاريخي.

أجاب رئيس الوزراء اليميني المحافظ مارك روتي بقوله "يا لها من حماقة!"، ردا على سؤال حول رأيه بخصوص إزالة مصطلح "العصر الذهبي". أما الزعيم الشعبوي اليميني المتطرف جيرت فيلدرز فكتب على حسابه في موقع تويتر "التعبير عن الفخر بهولندا أصبح من التابوهات، وفقا لهؤلاء المتخليين الذين يكرهون حتى أنفسهم، إنهم يدمرون هولندا من خلال تعديلاتهم السياسية الخاطئة".

أما المدافعون عن هذا التوجه الرامي إلى مراجعة التاريخ وتصويبه فيتسمون بموقف أكثر مرونة. كتبت حركة تطلق على نفسها "العصر الرمادي" عام 2016 عبارة "إبادة جماعية" على النصب التذكاري المقام في مدينة هورن شمال هولندا، للقائد العسكري يان بيترسون كوهين الذي شارك في الحملة الهولندية على الهند الشرقية في أوائل القرن الـ17، والمعروفة اختصارا بـ (VOC)، وفقا لحروفها الأولى باللغة الهولندية.

في عام 1621، وتحت قيادة كوهين، فرض الرق على شعب الهند الشرقية بالكامل، وأبيد الكثير منهم، وذلك لضمان احتكار هولندا لتجارة التوابل القادمة من مستعمراتها في ما وراء البحار، لكن عام 2019 اضطر مقهى (VOC) الشهير بأمستردام لتغيير اسمه، بعد تلقي مالكه لرسائل تهديد عبر البريد الالكتروني، كما اضطرت مدرسة تسمى كوهين لتغيير اسمها أيضا.

وماذا عن أسماء الشوارع؟ هل من الضروري تغييرها أيضا؟ يرى المعارضون أن هذا يعادل محو حقبة بالكامل من التاريخ، كما يتعللون بأنه لا يمكن الحكم على حقب التاريخ المختلفة وفقا للمعايير والأحكام الأخلاقية السائدة الآن، أما أنصار التغيير فيؤكدون أن أي شخص قد يحاكم اليوم بتهم ارتكاب جرائم حرب لا يستحق أي نوع من أنواع التكريم.

كما يعتزم مركز الفن المعاصر بمدينة روتردام تغيير اسمه نظرا لأن (فيتي فيتز) أو (Witte de With) يعد من الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ العسكري الاستعماري الهولندي.

ولد فيتي فيتز عام 1599 وكان ضابطا بسلاح البحرية، وقاد معارك حاسمة عدة في حرب الثمانين عاما التي دارت بين الفلاندرز والإمبراطورية الإسبانية، وخلال الحروب الأولى بين إنجلترا وهولندا.

من جانبه لا يعتزم متحف موريتشويس بمدينة لاهاي، والذي تضم قاعاته العريقة أعمالا رائعة لكبار الفنانين أمثال رمبرانت وفيرميير، في الوقت الراهن تغيير اسمه المستوحى من خوان ماورسيو ناسو، النبيل الأرستقراطي الذي أشرف على تجارة الرقيق، بوصفه حاكما على مستعمري هولندا في البرازيل.

لكن المتحف نظم عام 2019 معرضا عن ماورسيو دي ناسو، طرحت خلاله أراء متناقضة حول تلك الشخصية التاريخية المثيرة للجدل، تشجيعا للزائرين على الإدلاء بآرائهم الشخصية حول الموضوع.

الأمر المؤكد الآن أن الجدل سوف يستمر حول هذا الموضوع على مدار العام الحالي. ومن المنتظر أن يقيم متحف Rijksmuseum بالعاصمة أمستردام معرضا حول هولندا أو "الأرض المنخفضة"، وتجارة الرقيق، ولكن على الرغم من الجدل الدائر، سوف يستمر خلال هذه الفترة استخدام مصطلح "العصر الذهبي".

يقول مدير المتحف تاكو ديبيتس، "أعتقد أن غالبية الناس يستوعبون أن المصطلح يشير إلى الفنون والرسم في القرن الـ17، وهذه الفترة كانت حقيقة عصرا ذهبيا لهذين الفرعين من الثقافة".