عبدالله المزهر

مجرم مشهور.. ليس إلا!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 06 يناير 2020

Mon - 06 Jan 2020

شيع الإيرانيون جثمان فقيدهم قاسم سليماني، وأعتقد أن العراقيين الذين قتلوا معه كانت جنازاتهم في إيران أيضا بحكم أنها مهوى أفئدتهم وهم أحياء، ومثوى ما تبقى من جثثهم بعد أن أصبحوا أشلاء.

وفي هذا السياق ـ السعيد طبعا ـ تساءل أحدهم في بلاهة لا يحسد عليها: هل رأيتم إرهابيا يشيعه هذا العدد من الناس من قبل؟ وهو يعني أن كثرة الناس الذين خرجوا في تشييعه دليل على أن لا علاقة له بالإرهاب، وأنه كان يسير في العواصم التي حطت فيها رحاله يزرع الحياة ويوزع الورد.

وهو سؤال أبله ـ كما ترون ـ لأن كل الإرهابيين والقتلة الذين قتلوا بذات الطريقة التي قتل بها سليماني لم تكن ترعاهم الدول ولم يكونوا يشغلون مناصب رسمية في دولهم، أبوبكر البغدادي ـ على سبيل المثال ـ لم يكن أحد جنرالات دولة من دول المنطقة حتى تقام له جنازة رسمية يحشد لها الناس طوعا وكرها ثم يتفاخر بحجمها البلهاء.

والإيرانيون محترفون في صناعة الحزن المغشوش، والبكاء واللطم والعويل أبرز البضائع التي صدرتها الثورة إلى الدول المستوردة، لدرجة أنه تم رسم صورة متخيلة لحفل الاستقبال الذي أقيم لسليماني في الجنة، والغريب في الأمر أن المستقبلين كانوا إيرانيين، وقد لاحظ أحد الأصدقاء أن بدر الدين الحوثي وحسين الحوثي لم يكونا في استقبال سليماني عندما دخل الجنة وهذا مؤشر أنهما ليسا هناك، الإيرانيون حتى في رسوماتهم التخيلية يحتقرون أتباعهم من العرب، وهذا أفضل ما يفعلونه، هذه حسنة تحتسب لإيران في بحر سيئاتها، هم لا يعطون الأتباع والعملاء أكثر من حجمهم الطبيعي، يتعاملون معهم كمناديل ورقية لا يترددون في رميها في أقرب سلة مهملات حين ينتهون من استخدامها.

وفي ذات السياق البغيض فقد خطب الشيخ المقاوم إسماعيل هنية خطبة عصماء في تأبين سليماني ووصفه بأنه «شهيد القدس»، ومع أنه كررها ثلاثا إلا أني لم أقل ليته سكت، فوضوح المواقف ليس شيئا سيئا، وهو يعلم أن سليماني لم يجرح حتى مشاعر صهيوني واحد، وأن الذين قتلوا على يده من العرب والمسلمين وحتى الفلسطينيين أكثر بكثير من الذين قتلهم جنود الاحتلال الإسرائيلي، وأن الأراضي العربية التي تحت سيطرته أكبر حتى من إسرائيل الكبرى التي يحلم بها الصهاينة. كانت تلك الكلمات الحمساوية فرصة ملائمة لمن يريد أن يفهم، فحماس استمدت شعبيتها في الوطن العربي من فكرة «ثبات المواقف»، لكنها بعد أن أصبحت دكانا لبيع المواقف لم يعد لديها ما تسوقه للناس سوى الوهم، لكن هذا لا يهم قادتها بما أنهم لا زالوا يلقون ترحيبا في إيران ولم تحن اللحظة المناسبة للتخلي عنهم.

الخليفة التركي هو الآخر كان في ذات المركب ورثى سليماني بأرق العبارات، وهو الذي روج لنفسه كثيرا باستخدام القضية السورية واللاجئين، لكنه لم يجد حرجا في البكاء على قاتلهم.

وعلى أي حال ..

سليماني مجرم مثل أي مجرم آخر، وإن كان ضحاياه أكثر إلا أنه أولا وأخيرا مجرد قاتل مشهور، وصحيح أن موت المجرم راحة للضحايا من إجرامه، لكنه مجرد أداة والمصنع الذي أنتجه لا زال يعمل بكامل طاقته التخريبية.

موته كان فرصة لكشف الأقنعة، يقول المتنبي في سياق آخر: وللنفس أخلاق تدل على الفتى.. أكان سخاء ما أتى أم تساخيا.

وبعد مقتل سليماني عرفنا هل كان البكاء على السوريين والمشردين واللاجئين بكاء أم تباكيا؟

agrni@