أحمد الهلالي

مبادرات فردية الكترونية لإثراء المحتوى!

الثلاثاء - 24 ديسمبر 2019

Tue - 24 Dec 2019

أضحى ارتباطنا بالجوال ارتباطا وثيق العرى، استغنينا به عن أجهزة كثيرة مثل الساعة والمنبه والمذياع والتلفزيون والصحيفة والكتاب الورقي والمكتبة، ووفر علينا مشاوير كثيرة، وأوقاتا كثيرة كنا نستهلكها في التنقل، إلى درجة أن هذا الجهاز الصغير أصبح (مجلسا، ومكتبا، وناديا أدبيا، وقاعة محاضرات واجتماعات، وسوقا، ومصرفا...) والكثير الكثير.

لم أعد أؤمن بدقة تعبير (العالم الافتراضي) بعد كل ما سقته سابقا وأكثر، فقد تخطى الانترنت هذه الافتراضية وأضحى جزءا أصيلا من واقعنا، لا غنى لنا عنه البتة، من خلاله نقضي كثيرا من شؤوننا ومعاملاتنا الحياتية المختلفة، ونعبر عن ذواتنا وأحلامنا ورغباتنا، فأي افتراضية بقيت له بعد كل هذا التجذر، وكل هذا التغيير في طرائق حياتنا وتفكيرنا به ومن خلاله.

وعلى ما سبق، يجب أن ننظر إلى التقنية بعين أخرى، عين واعية كتلك التي يمتلكها بعض شبابنا اليوم، فاستغلوا هذا النهر العظيم لبناء ذواتهم، وتحقيق طموحاتهم، ومنهم من مد يديه إلى مجتمعه متطوعا بأعمال مضيئة تجعل التقنية بيئة خصبة لإشاعة الوعي، والتقليل من مخاطرها على عقول الأجيال، ولم يقفوا مكتوفي الأيدي يحذرون من تلك المخاطر، وهذا ما نحتاجه في هذا العالم الشاسع المتلاطم.

إن المبادرات التي يقدمها مبدعونا ومفكرونا عبر الفضاء الالكتروني تدلل على كفاءة التفكير، وتؤكد على الروح العملية التي يتمتعون بها، وجل تلك المبادرات المضيئة تقوم على جهود فردية، لفرد أو لمجموعة عقدوا العزم على صناعة فرق في مجتمعهم، واستمروا يواجهون العقبات والمصاعب ويتغلبون عليها من أجل تلك الغاية.

من خلال دراستين أجريتهما، وقفت على جهود كثير من المبادرين عبر تويتر، والمبادرين عبر البودكاست، غير ما يقع تحت نظري في هذا الكون الالكتروني الفسيح، فوجدت جهودا عظيمة يبذلها المبادرون على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم واهتماماتهم، تستحق الالتفات إليها من الجهات الحكومية والخاصة، واستثمار هذه الجهود والطاقات وإشاعة منتجاتها، وتسليط الضوء عليها ودعمها بكل الطرائق الممكنة.

الإحباط الذي قد يتعرض له المبادر المتحمس من أكثر الأخطار التي تواجه كثيرا من المبادرات، أضف إليه ظروف الحياة المختلفة، خاصة العجز المالي، والمرض والوفاة، كلها مؤثرات حتمية قد تعترض المبادرات وتفت في عضدها، وتحد من عطائها، ولهؤلاء المبادرين حق على الجهات الحكومية (وزارات وجامعات ومؤسسات ثقافية) والجهات الخاصة من باب المسؤولية الاجتماعية، في مساعدتهم على استمرار هذه المبادرات وإشاعة محتواها المثري المفيد.

أرجو عميق الرجاء من وزارة الإعلام ووزارة الثقافة على وجه الخصوص، أن تبادرا إلى رصد هذه المبادرات وفهم توجهاتها وتصنيفها، ثم بناء آليات وقنوات تسهم في تطويرها، من خلال تسجيلها رسميا، ودعمها ماليا ومعنويا، وأن تبادر إلى عقد ملتقى وطني عملاق لهذه المبادرات سنويا، وتوجيه الباحثين إلى متابعتها وتقييمها وتقويمها، فهي حل لإثراء المحتوى الالكتروني وصقله، يحد من انتشار التفاهات، ويقلص مساحات الخطر الناشئة بفعل ضعف المحتوى المحلي وهشاشته.

ahmad_helali@