عبدالله المزهر

سأزرع طبلا حزينا!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 23 ديسمبر 2019

Mon - 23 Dec 2019

كنت قد عقدت العزم قبل سنوات مضت أن أكتب كتابا تتناقل صفحاته الركبان، وينير طرق التائهين في دروب الحياة، ثم إني قررت أن أكفر عن هذا العمل مبدئيا وأزرع شجرة في فناء منزلنا وأنتظرها حتى تكبر وتملأ الحوش خضرة وظلالا بعد أن ملئ رطوبة وغبارا، من باب التعويض عن تلك البائسة التي تحولت إلى أوراق لكتابي المنتظر.

وبعد أن كبرت الشجرة واستقرت الأمور لم تعد هناك عوائق، ولكني في كل مرة أقرر البدء في التأليف أتفاجأ بأن معرض الكتاب قد بدأ، وهذا شيء محبط لأن المعرض أحد أهم الدوافع التي قد تدفعني للكتابة والتأليف، فأقرر الانتظار إلى المعرض القادم حتى أجد جماهير أكبر وشريحة أعرض أنقذها من الضياع. والجميل أن الزحام كان يزيد في كل عام عن العام الذي سبقه، وفي كل معرض أجد أني كنت محقا حين تأخرت فالقادم الجميل لم يأت بعد.

ثم إن النحس صديق قريب، ولا أكاد أفارقه حتى يلتقيني مجددا، فقد كشف لي المعرض الأخير بأن غالب زوار المعرض لم يكونوا من عشاق القراءة ولا من الباحثين عن المنقذين أمثالي، كان الزوار في سوادهم الأعظم إما ممن ينظرون إلى المعرض على أنه فعالية ترفيهية لا تختلف عن المراجيح والحفلات الغنائية ومقاهي المعسل على أطراف المدينة، أو ممن يذهبون إلى المعرض لأنهم من تيار ويريدون مناكفة تيار آخر. أو أنهم ممن يريدون أن يضيفوا إلى «برستيجهم» متعة الصور مع الكتب.

وحين توفرت أماكن اللهو وأصبح في الساحة تيار واحد فقط لا يحتاج لمعرض كتاب لمناكفة غيره لم يعد أحد يهتم بالمعرض كما كان في السابق، وخفتت موضة التصوير مع الكتب وأكواب القهوة ولم تعد تلقى رواجا كالسابق، تواجد بعض المؤلفين وموظفي دور النشر وثلة قليلة لا زالت وفية للكتب، أما الجماهير التي كنت أنتظرها لأنشر دعوتي بينها فقد تفرقت بها الأسباب وتقطعت بها السبل.

وقد ساءني هذا الوضع كثيرا، ولكني معتاد على الاستياء، وأعرف أكثر من غيري أنه ليس حلا للمشكلة وأنه لا بد من التحرك قبل فوات الأوان وضياع المزيد من الجماهير.

وقد اهتديت إلى أن أفضل حل هو أن أعدل تماما عن فكرة التأليف، وأحاول قدر المستطاع تعلم صنعة جديدة، والحقيقة أني أجد في نفسي ميلا لا تخطئه البصيرة النفاذة إلى تجربة مجال التوزيع الموسيقي، أو أن أتقن ـ ما استطعت إلى ذلك سبيلا ـ فن التنسيق الموسيقي أو «الدي جي» كما يسميها الأعاجم والفرنجة (Disc Jockey).

وعلى أي حال..

الفكرة قد تخمرت وقضي الأمر، سأكون منسقا موسيقيا في حفلات موسم تهامة في العام القادم أو الذي يليه، لكن الذي يشغل تفكيري الآن هو ما الذي سأزرعه في حوشنا تعويضا للموسيقى، ربما سأزرع طبلا وأنتظره حتى يكبر ويملأ الحوش فنا وطربا ورقصا بعد أن ملئ من قبل بؤسا ونكدا وحزنا!

agrni@