عبدالحليم البراك

لن يستثمر في المتقاعدين إلا المتقاعدون!

الاثنين - 23 ديسمبر 2019

Mon - 23 Dec 2019

يتقاعدون ويتركون العمل، إما مبكرا تحت مسمى التقاعد المبكر، وهو ليس مبكرا مطلقا إلا من سنة أو سنتين، أو يتركونه بقوة النظام، بينما أعمارهم لا تزال صغيرة رغم الستين عاما، ورغم اللون الأبيض الذي خط على رؤوسهم ألوانه الزاهية. ومع هذا كله، لديهم من النشاط ما يكفي لأن ينشئوا شركة، ويقودوا وزارة، ويراقبوا أمما، ويمثلوا بلدا، ويخططوا لمستقبل أجيال.

وليس من عيب فيهم إلا عيب النظام الذي دفعهم للتقاعد في سن معينة، بينما النشاط والحيوية لا سن لهما، وصار لزاما عليهم أن يساعدوا أنفسهم بأنفسهم، ولا ينتظروا أحدا أن يستثمر فيهم إن لم يستثمروا هم في أنفسهم، فلن يأتي عشريني متحمس ليقدر خبرتك، ولا ثلاثيني عينه

على حقوقه ليصر عليك أن تبقى أكثر في الوظيفة، ولا أربعيني طموح في القيادة ليدفعك للبقاء، ولا خمسيني يريد أن يحل محلك! لن يفعل هذا إلا أنت، وبناء عليه لزم عليك الآتي أيها المتقاعد الشاب الكبير في الخبرة والسن:

- لن يستثمر في المتقاعدين إلا المتقاعدون أنفسهم، فإن لم يتعاون المتقاعدون في الاستثمار في أنفسهم، من خلال بناء شركات وقطاعات وجمعيات استقطابات تجمعهم لن يتبرع لهم أحد، فهم لم يتبرعوا للمتقاعدين الذي سبقوهم، فلن يتبرع لهم لاحق مطلقا.

- بحمد المولى استطالت صحة الناس، فاستطالت أعمارهم، ولما كان ذلك كذلك، صار متوقعا على الأنظمة أن تمدد سن التقاعد لسن الخامسة والستين مثلا، لكن هذا لم يحدث ولن يحدث في القريب، لذلك من الجيد أن يمدد المتقاعد سن عمله كما يشاء من خلال تهيئة نفسه لعمل جديد، وليس تهيئة نفسه للسكون والهدوء وانتظار النهاية، فهذه حيلة العاجز.

- التهيئة النفسية أهم من التهيئة البدنية، وفتح آفاق للنفس ذهنيا أهم من فتح آفاق مادية للعمل، والتخلص من فكرة الهدوء والسكينة بفكرة فتح آفاق أخرى أهم بكثير من انتظار ما لا يجيء. تخيل عزيزي المتقاعد في عمر الستين أنك لم تمت إلا في التسعينات من عمرك، بين هذا العمر والعمر عمر آخر، كيف نسيته ولم تعش تفاصيله عملا؟ بل أنت في أوج نضجك وخبرتك وذكائك وفهمك للأمور.

- نعم قد تفتقد نشاط الشباب، لكن لا تفتقد المهارات التي لا يفهمها الشباب، لكن أيضا عالج نفسك، فمع تقدمك في السن صرت لا تقبل الجديد، وتعاند التغيير، ولا تؤمن بالنسبية إلا نظريا ولا تحبذ أفكار الشباب، وهذا عيب فيك، وعليك أن تقبل جنونهم وجموحهم وتتفهم ذلك، وتهذبه بما يحقق للعمل الجديد الديمومة، ولا يتعارض مع روح العصر الجديدة التي لم تكن هي نفسها يوم كنت شابا.

- إن عليك عبئا كبيرا جدا، وهو التحضير لفترة التقاعد، وتهيئة العمل المناسب لمهاراتك، بل ومساعدة أصدقائك المتقاعدين في إنشاء أعمالهم الخاصة بعد التقاعد، فتعاونكم هو أهم صفة بينكم، فحاجتكم لبعضكم الآن أكثر من ذي قبل.

- تخلص من فكرة أريكة كبيرة، ومشاهدة الأفلام والسفر وصرف المال، فهي فكرة من أفكار الأفلام، صنعتها الصورة النمطية للتقاعد، وهي فكرة غبية ولا تضع في حساباتهم ارتفاع متوسط عمر الإنسان، ولا تضع في اعتباراتها أن بعض الناس يحب العمل أكثر من الكنبة، ويحب الحياة بحبه للسفر، ويحب المال ويحب صرفه بالطريقة التي يهواها لا تلك التي يصنعها صغار الإعلاميين.

أخيرا، عزيزي المتقاعد ساعد نفسك بنفسك، لن يساعدك إلا متقاعد مثلك، فاجتمعوا وتعاونوا فنحن إليكم قادمون!

@Halemalbaarrak