أحمد الهلالي

مشكلتك.. طيب زيادة!

الثلاثاء - 10 ديسمبر 2019

Tue - 10 Dec 2019

نسمعها أحيانا من أحد أصدقائنا، فمتى كانت الطيبة مشكلة؟ هو بالطبع لا يقصد ذلك، بل يقصد أن يقول (أنت ساذج) أي قليل النباهة والتبصر، ويسهل خداعك، لكن الود الذي بيننا وبينه جعله يخفف لهجته، واثقا بفهمك للأمر من سياقه، فقد رآك تتألم من طيبتك التي وصفها بالزيادة، فلا ضير أن تكون طيبا، لكن للطيبة حدود.

لا يمكن بحال أن يعيش الإنسان في مجتمع ملائكي، وهذا المجتمع لا يوجد على الإطلاق، فالطبيعة البشرية تقتضي أن تتباين شخصياتنا، فسيكون في كل بيئة تمر بها الطيب والمتنمر والمحتال والغدار والخائن والوفي والصادق والأمين والنصاب والمتوجس والشَّكوك والأبله، وما إلى ذلك من الشخصيات، فالاعتلالات النفسية والسلوكية كثيرة ومتباينة الدرجات، وستكون ساذجا إذا تعاملت مع كل الشخصيات بميزان واحد، رافعا شعار الطيبة، الذي سيكون في هذه الحال سذاجة صِرفة.

نقرأ على مواقع التواصل آلاف المنشورات المثقلة بخيبة أمل ناشريها في الآخرين، وهي في حقيقتها تعني اكتشاف أصحابها للوجوه الحقيقية للشخصيات التي تعاملوا معهم بحسن ظن، ولا شك أن حسن الظن بالآخرين مطلب، وخلق نبيل جدا، لكنه أحيانا يكون الفخ الخصب للإيقاع بك، مما يوجب أن تقرنه بشيء من الحذر، فلا يناسب أن يكون حسن الظن بذات الدرجة لكل شخصية تتعامل معها.

من جهة أخرى، حين ننظر في ردود الأفعال على الشخصيات المسيئة، فإن بعض المتضررين منهم يلوذون بالصمت أو بالاستسلام للقدر، أو يتقوقعون وينكفئون على ذواتهم، وهذه المسالمة لا تعد سلوكا إيجابيا، فلا بد من مواجهة المسيء والأخذ على يده بوسائل بعيدة عن العنف، وسائل تضعه أمام مسؤولياته الأخلاقية، وتكشف له سلوكه القبيح، فالمسالمة ضعف، تتبدى في قول بعضهم (كبّرت راسي ما أبغى مشاكل)، وهو في الحقيقة لم يكبر رأسه ولم يخرج من المشكلة، فما دام لم يبد ردة فعل تردع المتجاوز، فلا مناص من تكرار الآخرين لانتهاك حقوقه دون تأنيب للضمير، وهذا نلاحظه حتى في عالم الأطفال، فالطفل الذي لا يبدي ردة فعل تجاه المتنمرين يصبح هدفا مفضلا لديهم، وفي البيئة الإدارية (التقليدية) تجد الموظف الذي يرفض ويتذمر أكثر راحة من الموظف المطيع (جدا)، لأنه أصبح الطريق الأسهل للقيام بالأعباء، فمديره يتجنب وجع الراس مع المتذمر.

من المهم أن تقرأ الشخصيات في محيطك بعناية ولا تكتفي بانطباعات الآخرين، ولا بد أن تعلم الفرق بين طيبتك وسذاجتك، وألا تبالغ في حسن ظنك بالآخرين، ولا التوجس المفرط، واحرص على ألا تكون جدارا قصيرا يتسلقه المتنمرون والانتهازيون والمصلحجيون بسلام، وتأكد أن (ظهور الأنياب لا يقلل من جمال الابتسامة)!

ahmad_helali@