جبريل العريشي

أستونيا.. الدولة الرقمية الفاضلة

الخميس - 05 ديسمبر 2019

Thu - 05 Dec 2019

أستونيا بلد يقع على بحر البلطيق يبلغ عدد سكانه 1.3 مليون نسمة. ويعتبر مشروعها E-Estonia المشروع الأكثر نجاحا في مجال فن الحكم الرقمي على مستوى العالم اليوم. فهو يشمل كل معالم الحياة، وكل الخدمات العادية التي تشارك فيها الحكومة: التشريع والتصويت والتعليم والعدالة والرعاية الصحية والخدمات المصرفية والضرائب وضبط الأمن وغير ذلك. وقد تم ربط كل هذه الخدمات رقميا عبر نظام واحد يعمل عبر الانترنت.

لقد كان هدفهم المعلن هو أنه لا ينبغي للمواطن أن يقوم بإدخال أي بيانات مرتين في أنظمة الحكومة الالكترونية. وهم يقطفون الآن ثمار هذه الاستراتيجية. فبمجرد إدخال الكود الرقمي للشخص، تظهر كل بياناته الرقمية: البيانات الشخصية من سجل السكان، رقم الهاتف والبريد الالكتروني، العقارات والأراضي التي يملكها، وظيفته الحالية وتاريخه الوظيفي، سجلات المرور الخاصة به، وثيقة التأمين على سيارته، التزاماته الضريبية، الشهادات التعليمية التي حصل عليها، درجاته في كل مرحلة من مراحل التعليم.

أصبح المواطنون يدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من منازلهم عبر أجهزتهم النقالة. وعند تقديم طلب للحصول على قرض بنكي، يتم الحصول على كل بيانات مقدمي الطلب بصورة تلقائية من النظام الحاسوبي، وتشمل تلك البيانات: الدخل، الديون، المدخرات، ..إلخ. وعند زيارة الطبيب، لا يوجد استمارة يتم ملؤها في غرف الانتظار، فالأطباء يقومون بالوصول إلى السجلات الطبية الالكترونية لمرضاهم. وإذا اشترى الشخص تذكرة ما يتحقق النظام تلقائيا ما إذا كان المشتري طالبا، فيحصل على التخفيض المقرر للطلبة، وهكذا، كل شيء عبر الانترنت.

هناك نظام للإقامة الالكترونية، يسمح لمواطني البلدان الأخرى بأن يصبحوا مقيمين في أستونيا دون أن يزوروها. فالنظام يسمح للأفراد بالتعامل - عن بعد - مع خدمات أستونيا الرقمية، وهو ما يتيح للدولة الاستفادة من ذوي المهارات المتميزة من مواطني الدول الأخرى.

والشخص في أستونيا هو المالك لكل بياناته الرقمية. ويمكنه حجبها متى أراد ذلك. فللمريض - على سبيل المثال - حجب بياناته الصحية عن طبيب ما وإتاحتها لطبيب آخر. وفي كل مرة يطلع الطبيب أو ضابط الشرطة أو المصرفي أو حتى الوزير على بيانات شخص ما، فإنه يتم رصد هذا الاطلاع وإخطار الشخص بذلك. ويعتبر الاطلاع على البيانات الرقمية للمواطنين دون مسوغ مقبول جريمة جنائية.

ولا يقتصر الأمر على ذلك. فالحدائق يتم تسويتها بواسطة الروبوتات التي تتحرك هنا وهناك، تقلم الحشائش وتقضم العشب، وتكاد تقترب من البشر في حياتهم اليومية.

وتسمح تجهيزات الطرق باختبار السيارات التي تعمل بدون سائق، مع وجود سيطرة له عليها، ومن المخطط أن تكون جاهزة للسيارات التي تتحرك من تلقاء نفسها، أي بدون سائق فيها.

وقد بدأت فنلندا، جارة أستونيا إلى الشمال، أخيرا باستخدام نظام أستونيا الحكومي الرقمي بصورة جزئية، وذلك لصالح مواطني أستونيا المقيمين فيها، مما يعني أنه يمكن استخدامه عبر الحدود الدولية.

يقولون إنهم يبنون أمة رقمية. ويرون أنه عندما يدار كل شيء في الدولة بصورة رقمية، بشكل مستقل عن الموقع الجغرافي لها، فإنها يمكن أن تكون حينئذ دولة بلا حدود. فمن يدخلها من غير مواطنيها لن يستطيع العيش فيها لأنه لن يكون لديه الهوية الرقمية التي تمكنه من ذلك. فإن كان من ذوي المهارات النادرة فيستطيع العيش الافتراضي فيها، أي يستخدم نظامها الرقمي دون أن يتواجد فيها.

ترى، هل نحن إزاء نموذج الدولة الرقمية الفاضلة؟

[email protected]