أحمد الهلالي

أيقونات الهوية بين الجهل واللا مبالاة!

الثلاثاء - 03 ديسمبر 2019

Tue - 03 Dec 2019

موضوع الهوية من الموضوعات الأصيلة في تفكير الأمم، فمهما بلغت الأمة من حضارة فإن نظرتها إلى موضوع هويتها وتميزها تظل حاضرة في الذهنية، فالفرنسي على سبيل المثال يأنف أن يتحدث بلسان غير الفرنسية رغم إجادته لغيرها، والبريطاني ـ حسبما سمعت ـ لا يستنكف عن استهجان من يتحدث الإنجليزية باللسان الأمريكي، ويصل الحال ببعضهم ألا يرد على المتحدث، ناهيك عن كثير من المظاهر في غير موضوع اللغة.

الاعتزاز بالهوية ومكوناتها لا يعد تشددا، ولا انغلاقا، بل يؤكد تمسك المرء بقيمه الحضارية، ويبرهن على أهميتها لديه، والمؤسف أننا نلمس ضعفا كبيرا في العناية بهويتنا، فعلى مستوى اللغة تتلبسك الحيرة حين تغيب تماما في بعض المؤسسات داخل الوطن، فالوصفة الطبية، وقائمة الطعام، وتذكرة الطيران، وغيرها محرّمة على اللسان العربي المهزوم، وإن حضر فلا يعدو مزجا بين لسانين فيما يعرف بـ (العربيزي)، التي امتعض منها وذمها الأمير خالد الفيصل في فيديو انتشر عقب أحد لقاءاته بالمثقفين قبل عام، وما زلنا نعايشها في الفنادق والمستشفيات والمطارات وفي الكليات الطبية والعلمية والتقنية والصناعية ووسائل الإعلام الحديثة وغيرها.

وعلى مستوى الموسيقى العربية فإني أتعجب من غيابها أيضا، وقد كتب الأستاذ نبيل زارع في صحيفة الجزيرة عن ذلك في الفنادق خاصة، فالموسيقى التي تبث كلها أجنبية، يأتي السائح الغربي والشرقي ليجد موسيقاه وما ألفه في ثقافته يستقبله، ويعود خلوا من أيقونات ثقافتنا العامة، فلم يسمع موسيقى عربية، ولم يلتقط كلمة عربية، وحتى على مستوى ثقافة الطعام فالأطباق العربية شبه غائبة عن كثير من المطاعم، وعلى مستوى الأزياء فأزياؤنا المحلية غائبة إلا فيما ندر، ولم تتفتق الذهنية عن ابتكار لمسة منها في أزياء العاملين في المطارات أو الفنادق أو غيرها.

قبل مدة أرسل لي أحد الأصدقاء الإعلاميين مقطعا دعائيا لشركة طيران سعودية، كان من المشاركين فيه، مدته عشر دقائق، يحوي مقاطع موسيقية، كلها للأسف أجنبية، وتدلل على عدم انتباه المنتجين والمصممين والتقنيين لموضوع الهوية، ولو تأملنا الدراما والسينما العالمية، سنجد أن الموسيقى أحد أهم العوامل التي تقترن بالانتقال من بلد إلى آخر، فإن كان المشهد في إفريقيا جاءت الموسيقى إفريقية، ومثلها الصين والهند واليابان وغيرها، ولعلكم تتذكرون شكل الشماغ والبشت وألوانهما، وكيفية لبسهما (الخاطئة) في كثير من الأعمال الأجنبية التي تستحضر الشخصية العربية، والخليجية خاصة.

حان الوقت أن تتوحد جهود المهتمين بموضوع الهوية على اختلاف مستوياته مع جهود المتخصصين في الفنون والتقنية والعلوم والصناعة والإعلام والاقتصاد، من خلال المؤتمرات والملتقيات وورش العمل والدراسات البينية المشتركة، وأن نعنى بصناعة أيقونات هويتنا، وملامحها العامة، وأن نسوّق لها تسويقا يشعر الآخر بقيمتها عندنا، وأهميتها لدينا، وأن تعمل المؤسسات الثقافية والأكاديمية إلى توجيه الوعي إلى أهميتها، فقيمة الشيء تأتي من عناية أهله به أولا، وإن استمر انسياقنا في اللامبالاة فلن تكون لهويتنا الملامح التي نرضى عنها عند الآخر.

ahmad_helali@