محمد أحمد بابا

مع طوارد التفقه

السبت - 30 نوفمبر 2019

Sat - 30 Nov 2019

في اعتقادي أن من الحكمة اللازمة أن يكون للعصر والزمن دور في إعادة النظر في بعض المصطلحات التي يستخدمها من يجيب الناس عن تساؤلاتهم الفقهية العملية من أمور دينهم، وإن كانت ذات معنى سائغ وطبيعي البيان في زمن سابق.

لكن القضية تكمن في أن اللفظ مع كثرة الاستعمال في جانب معين يوحي بحالة نفسية شعورية للمتلقي، وعند المتحدث في الغالب الأعم، الأمر الذي يرافق المعنى المطلوب وصوله فيحصل الخلط بين إجابة عن سؤال وفتوى وحكم ونحو ذلك.

ومن ذلك الذي قصدته - في رأيي الشخصي - ما يستخدمه البعض من ممارسي الجواب الفقهي عن أسئلة أناس من ألفاظ حين يقول مثلا: (لا حرج)، فهذا اللفظ مرتبط بداهة بأول قائل له وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب البلاغ والتشريع، مما يوحي بفوقية قائل له في عصرنا الحاضر، بصورة تجعل السامع في ذهنية الملزَم بقول القائل لا بذات الحق.

أو يقول مثلا في معرض كلامه عن حكم معين: (الظاهر) كذا، وهذا مصطلح دال عند أهل الفقه الموروث على شيء معين قصدوه بنتائج بحثهم ووجهة نظرهم، وأما استدعاؤه في استعمالات المجيبين عن الأسئلة يشعر السامع أن ظهور الحق أو الأولى حصريا عند المجيب، وهو ما يقود لبعض تنغيص اطمئنان المعرفة.

وحين نسمع من أحدهم قوله:(الصحيح) كذا، فهذه أظنها آفة الحكم في استباقية لصد الإنكار أو الاعتراض أو الاختلاف أو استفصال الأمر، إذ العالم اليوم يحتاج من كل صاحب كلام أن يقول ويترك الحكم بالصحة للمتلقي ذي المهارة في التفريق، وكون الوصف بالصحة يخرج من فم المجيب يسحب السامع لهلامية الحبس داخل «ما أريكم إلا ما أرى».

أقول: وجدت أن هذه من طوارد التفقه عند كثير ممن خالطت وعرفت، فقلت لنفسي: لم لا يكون هناك برنامج بحثي علمي لدراسة تأثير هذا النمط من الاصطلاح على النتيجة المرجوة من معرفة الدين، في محاولة إصلاح العلاقة بين السائل والمجيب؟

كذلك فإن تجديد الفقه وتحديث التفقه يتطلبان مجانسة بين الوسائل ورصيد المعرفة، ومواءمة بين مهارات التلقي وقدرات الإرسال، فلا سامع لصوت الاستغراق في مصطلحات الماضي رغم وجود بدائل اللفظ للعصر الحالي.

وأظن أننا نلمس عزوف الناس اليوم عن وصاية التفكير وحراسة المعرفة ولو في الأسلوب والسياق، وذلك جعل كثيرا ينقلب على قناعة محكمة لا لديل، بل لكيفية عرض تشعره بنقص الوصول للحق دونما إذن.

ولقد ألف بعض المحدثين والفقهاء سابقا كتبا ومصنفات في فك رموز مصطلحات مشاهير العلماء والمراجع، فحين يقول فلان كذا يعني به كذا، وحين لا يذكر كذا فهو يعني كذا، وهي حالة ثقافية علمية تليق بعصر كتبت فيه لقوم لهم ثقة نوعية فيما يقول، فلا نبغض النظر عن وجهة نظر المستفيد.

أنا هنا لا ألوم من سبقونا بقرون كثيرة، لكنني أستفسر عن شعور ووضعية من يتمثل المصطلحات القديمة في عرضه لحكم يطلبه معاصر، وأتساءل عن جدوى جعل تلك المصطلحات فزاعة للتخويف الضمني من مغبة المخالفة أو عدم الرضا؟ كل ذلك يجعلني أزعم أن تجديد آلة الفقه جملة وتفصيلا سوف تصل بنا لا محالة لطرح أرحب، واستطاعة أوفر، ودين عملي يشترك فيه الناس جميعا فهما وتطبيقا.