عبدالله المزهر

لست لصا ولكني أحاول!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 26 نوفمبر 2019

Tue - 26 Nov 2019

قرأت فيما يقرأ الناس أن موظفا حكوميا وجهت له النيابة العامة تهمة تلقي رشوة بمبلغ 75 مليون ريال سعودي، والشيطان إن لم يحضر ليوسوس لي في مثل هذه المناسبة فمتى سيحضر، هذا وقته وهذه المنطقة التي يجيد اللعب فيها.

بدأت أتخيل شكل الخمسة وسبعين مليونا وأين سأضعها لو كنت مكان ذلك الموظف وكم صندوقا يكفيها؟ وهل سأضطر إلى شراء دجاجة ـ أو أي حيوان آخر ـ ومن ثم بيعها بمبلغ يشابه هذا المبلغ حتى أستطيع أن أضعه في حسابي البنكي؟

وهل سيكفيها حساب واحد أم إن مثل هذه المبالغ تحتاج العصبة من الحسابات لتحملها؟

المبلغ شديد الإغراء، خاصة لأمثالي الذين يعتقدون أن المليون كائن خرافي لا وجود له، والمليار من طلاسم الجن التي يسحر بها عقول الإنس، ولأنه مبلغ مغر ومحفز للفضول حتى لمعرفة شكل المليون على الأقل، فإن كل ما تحتاجه لقبوله هو أن تكون مسألة الحلال والحرام بالنسبة لك مسألة ثانوية، أو أن تقنع نفسك بأن الأمر لا يتعدى كونه هدية من محب أنجزت له بعض الأعمال. وكثير من اللصوص لديهم هذا الوازع الديني والأخلاقي فلا يرتشون ولا يسرقون إلا بعد تخدير ضمائرهم ببعض التأويلات التي تجعل السرقة إنجازا عظيما والرشوة عملا نبيلا.

وقد يسأل سائل ويقول: لماذا لم تغرك التسعمئة مليون التي أراد الراشي أن يحصل عليها ووقعت في غرام الخمسة وسبعين مليونا التي سيأخذها المرتشي؟

والحقيقة أنه سؤال في مكانه، لكن كل ما في الأمر أني أريد أن أكون منطقيا حتى في تخيلاتي، فالمرتشي موظف مثلي ويمكن أن أكون مكانه بسهولة، أما الآخر فلص عظيم ليس لدي من الإمكانات الذهنية والمهارات ما يسمح لي حتى بالتخيل أني مكانه، ورحم الله من عرف قدر نفسه.

لكني لا أعتقد أيضا أن موظفا سيبدأ فساده بخمسة وسبعين مليونا، لا بد أنه شق طريقه وصنع سمعته من خلال مبالغ أقل حتى وصل إلى هذه المكانة التي تجعل كبار الراشين في البلد يثقون فيه ويعرضون عليه مبالغ كبيرة، ولو تمت هذه الصفقة ومرت بسلام لربما كان المبلغ الذي يطلبه في المرة القادمة أكبر من قدرتي على الاستيعاب.

من ضمن المشاكل التي أحاول التخلص منها أني سأرتبك وأنكشف حتى قبل أن أشاهد المبلغ، أما الاستعداد الفطري للفساد فإنه موجود، وقد أخبرت أصدقائي في الاستراحة أن سبب رفضي أن أكون مسؤولا عن ميزانيتها هو أني لا أضمن نفسي حين أشاهد مبلغا أكبر من ألف وخمسمئة ريال، أعتقد أني سأضعف وأسرق المبلغ وأهرب للخارج.

وعلى أي حال..

فإن مما كنت أخشاه أن يؤثر فسادي على سمعتي، لكني تلقيت بعض التطمينات من خلال الاطلاع على بعض الأخبار التي تخص الفاسدين، فالفاسد لا يشهر به، وتراعى مشاعره وحالته النفسية التي قد تتأثر لو عرف الناس أنه لص، وهذا أمر غريب، فالناس لا يكرهون لصوص المال العام كثيرا، كراهيتهم موجهة للصوص الذين يقتحمون المنازل في غياب أهلها ويسرقون أسطوانات الغاز، أما الذي يسرق مصنع الغاز فهو غالبا في نظر المجتمع «ذيب» ويعرف من أين تؤكل الأسطوانة.

agrni@