عبدالله المزهر

الأسرار التي يعرفها كل الناس!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 18 نوفمبر 2019

Mon - 18 Nov 2019

الحديث عن التسريبات هذه الأيام تحديدا منطقي، ربما لأننا في موسم الأمطار، وغالبا فإن الأسر غير المتوسطة في هذه الأيام في حالة استنفار تام لمواجهة قطرات المطر التي تهرب من السماء إلى شقوق المنازل التي «لك عليها».

ولكن يبدو أن تسريبات هذا الشتاء لم تعد خاصة بالمطر فقط، وحين سمعت الرعد ليلة البارحة كنت مشغولا بكافة أنواع التسريبات التي يمكن أن تكون مرافقة لذلك الصوت، ولكني استيقظت ووجدت أن التسريبات الأبرز هذا اليوم هي تسريبات موقع «انترسيبت» وصحيفة نيويورك تايمز عن طبيعة العلاقات بين إيران والطبقة السياسية الحاكمة في العراق، وهذه التسريبات لم تأت بجديد، فكل ما ورد فيها من المعلوم لدى كل الكائنات الحية التي تدب في هذا الجزء الموبوء من كوكب الأرض، بل إني أجزم أنه لا أحد من ساسة العراق يعتقد أن ولاءه للنظام الإيراني أمر معيب يخجل منه، وهذه درجة من الوضاعة لا ينالها إلا من كان له في الخيانة باع طويل وخبرة عريضة.

حين تتسرب وثائق عن هذه العلاقة فإنك ستعرف ما تحويه قبل أن تطلع عليها، أمر يشبه أن تكون واثقا أن التسريب الذي طال منزلك بعد الأمطار هو تسريب مياه، لن تتوقع مثلا أن السطح سيسرب عليك نفطا من خام برنت، أو أنهارا من خمر لذة للشاربين.

وقد قرأت وسمعت وشاهدت كثيرا قصصا عن الخيانة وبيع الأوطان، لكني والشهادة لله لم أجد خيانة بهذا العدد من العملاء الذين وصلوا إلى مناصب قيادية في دولة ما في التاريخ أكثر مما وجدت في العراق بعد 2003، كنت أسمع عن جواسيس وعن زرع عميل أو اثنين في أماكن حساسة، أما أن تكون الدولة كلها بزعمائها ووزرائها ونوابها وعسكرها وموظفيها تابعة لدولة أخرى، يبيعون لها الوطن بالتجزئة والجملة وتكون وظيفتهم الأساسية أو الوحيدة هي السرقة وحماية مصالح دولة أخرى غير تلك التي يحكمونها، فهذا ما لم أسمع به من قبل ولا أظن أنه يمكن تكراره في المستقبل.

وقد يكون مناسبا للأشقاء في النظام العراقي الفاسد أن يحققوا إنجازا وحيدا فريدا ويطلبوا الانضمام لموسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكبر تجمع للخونة والعملاء في تاريخ البشرية. لا تدعوا هذا الإنجاز يفلت منكم ويذهب للنسيان دون أن يوثقه التاريخ.

اللافت في هذه التسريبات الماطرة أن «الزملاء» من جماعة الإخوان المسلمين حين اجتمعوا بالإيرانيين في تركيا كانوا هم من طلب من الإيرانيين أن يوحدوا الصفوف لمواجهة السعودية، وقد يكون الأمر مفهوما لو أن الطلب كان إيرانيا، لكن المبادرة الإخوانية تبين أن العقلية واحدة والهدف واحد، حتى وإن قيل إن الهدف المعلن للجماعة وللحرس الثوري هو القدس، فإن مشكلة الإخوان وإيران تكمن ربما في أنهم لا يستخدمون «قوقل ماب»، ربما لأنهم يقاطعون المنتجات الأمريكية.

وعلى أي حال..

كل ما جاء في التسريبات ليس فيه جديد، لكنه مع هذا مثير للانتباه، تماما مثلما يحدث حين تشاهد زوجين في أوضاع حميمية، أنت تعلم يقينا أن هذا يحدث ويدل على وقوعه وجود الأبناء، لكن مشاهدة هذا الأمر البدهي تجعله صادما ومثيرا إلى حد ما.

agrni@