شاهر النهاري

بؤر طفولة الإرهاب والنقمة

الاثنين - 18 نوفمبر 2019

Mon - 18 Nov 2019

تكثر الجدلية بالمنطوق الإنساني العقلاني غير المكتمل، والذي لا يملك العدالة التامة ولا القدرة على صنع الحيادية، عندما يتطرق النقاش لما يجب أن يكون لأطفال داعش!

صغار ولدوا في نزوات حماس وفكر إرهابي عنيف متهور عدائي، وترعرعوا في منازل خوف وتحين وهروب ودموية، ومعاني حياة أسرية مؤدلجة مليئة بالشدة والسواد.

أغلبيتهم سرقت منهم أيام طفولتهم ولم يكونوا يستمتعون بوجودهم، بين شعارات ومعان ومسلمات صلبة، يمنع فيها السؤال وتحتقر المشاعر ويتم الإغراء بحمل السلاح والتسلط والدموية، وتؤصل فيها الفروق الشنيعة بين الجنسين والتشتت العائلي، وتهاوي القيم الإنسانية بوجود السلب والنهب والعبيد، والجواري والاغتصاب، والطفولة الحائرة التي قد تجد من يرعاها لبعض الوقت، وليس طوال الوقت.

أطفال عرفوا وعاشروا الدمعة أكثر مما صادفوا الضحكة، وعرفوا القسوة والتجبر قبل أن يهتدوا لحضن الاحتواء والحب.

وبعد تشرذم وتحلل ما عرف بدولة داعش، توجهت جماعات الأطفال مع من تبقى من أمهاتهم للملاجئ، بمفهوم تشرد وهوان، وجمعيات إنسانية تتفضل عليهم باللقمة والخيمة، ووجود ناقص بجوار أمهاتهم بالولادة أو الأمهات البديلات.

اللعب في المخيم نوع من المفارقة والدهشة، ومعان قد لا تعجب غرورهم الداخلي المشحون بالشرور، والفهم لما يحدث حولهم عسير ويتم تشويهه بالواقع.

كل معطيات الطفولة لديهم مختلفة، والمطلوب منهم أن يفهموا أكثر وأن ينتصبوا بقاماتهم، وأن يتخذوا ولو جزءا من قرار المستقبل، بين أفراد متطوعين، وجند ولجان حقوقية، وعلماء اجتماع وإعلاميين، وصانعي أفلام إخبارية ووثائقية، يأتون ويذهبون ويستفسرون ويحققون ويقيسون ويدونون حدود المأساة، ويحاولون خلق الحلول الممكنة على الأوراق والمنابر والشاشات.

المعضلة أن السياسة تحضر والدول التي أتى منها الإرهابي، الأب أو الأم، تحاول جهدها إنكار جنسية الجميع، ورفض استعادة الأسرة بكاملها، والأب إن لم يكن مقتولا فهو معتقل، والأم إن لم تكن يداها ملطختين بالدماء فهي شبهة وبؤرة خوف، فإما أن تكون تحمل الفكر الجهادي المريض أو أن النقمة تسكن مشاعرها، ويخشى على أطفالها الصغار الأبرياء من التأثر بأفكارها، والتشارك معها في اقتسام جروحها واختلال أفكارها ومعتقدها. الجميع يراها مفرخة لجيل داعشي جديد، والبلد التي خرج منها الإرهابي تضع نصب عينيها أمورا حياتية وسياسية وأمنية عدة مزعجة، بمجرد الموافقة على قبول هؤلاء الأطفال، لمعرفتها بأن الأمر متصل تراكمي، لا يمكن أن يتم الحد من تأثيراته، أو نفيه بسهولة.

الأمور الإصلاحية العلاجية، رغم عدم ضمان نتائجها تحتاج إلى إمكانات ضخمة، ومتخصصين في التربية والمعالجة النفسية، ونظريات علمية مبتكرة لإعادة برمجة الطفل من الصفر، والطفل رضينا أم أبينا سيحمل ذكريات الماضي الداعشية ولا يمكنه نسيانها كليا، وسيصبح في سن المراهقة فردا يستشعر اختلافه ونقصه، ويكون منعزلا ومبعدا، وأقرب إلى الباحث عن أسباب ما هو فيه بنقمة وحقد، وربما يتبحر في الفكر الإرهابي بشكل أكثر خطورة مستقبلية.

إنها مأساة بشرية عظمى تشابه تربية الذئب وسط حظائر الخراف.الأمر قاس أن يتم الحكم عليهم قبل أن يثبتوا حسن نيتهم ومعشرهم، والجميع لا يريد أن يكون جزءا من الحل، سوى بالإبعاد التام. العالم أجمعه موعود بالندم، وسيجد داعش لا تتوقف عن الظهور، والفتك بكل مرحلة سلام وطمأنينة وأمان.

@Shaheralnahari