عبدالله الأعرج

محطات الوقود والذوق العام!

الاحد - 17 نوفمبر 2019

Sun - 17 Nov 2019

من أهم الأماكن التي يرتادها مستخدم الطريق في ذهابه وإيابه اليوم محطات الوقود، لأنها بلغة بسيطة أشبه بالواحات التي كان المسافر يتزود فيها بالماء لراحلته ويستظل بشجرها ويأنس بوجوده فيها.

وها هي الفكرة نفسها تستمر إلى يومنا مع فارق تبدل فيه الماء بالوقود، والدواب بالسيارات، إضافة إلى تعدد المرافق من محلات تجارية ومساجد ومطاعم وغيرها.

ولأن النفس البشرية (السوية) تأبى إلا أن تقدر المكان الذي تتزود منه بما يعينها على إكمال سفرها، بل وتحسن لكل من فيه من بشر وجمادات، ولأن الإحسان يعني حسن التعاطي بجمال مع المقدرات من خلال السلوك الحضاري الرصين؛ لأجل هذا فقد كانت الممارسات (المخجلة) من قبل بعض مرتادي محطات الوقود أمرا يستوجب الإدراج ضمن قوانين الذوق العام، للحد من التجاوزات ولجم التعديات التي تشوه الخدمة وتسيء للمستفيد الواعي والمتحضر.

ومن الممارسات المزعجة جدا في محطات الوقود اعتقاد بعض السائقين أنه الأولى بسرعة الخدمة قبل الباقين، فتراه يحاول الانقضاض بفذلكة مكشوفة من آخر الصف إلى أوله حين تحين الفرصة، متناسيا أحقية من وصل قبله بالخدمة، وحين يطول انتظاره في آخر الصف دون فائدة يتحايل بالالتفاف بسيارته في المسار العكسي لمضخات الوقود ضاربا عرض الحائط بأن ذلك الاتجاه ليس مناسبا لخزان الوقود بسيارته، ومتناسيا أحقية مستفيد آخر قام بنهب مكانه، بل ويتعدى بعنجهية مقززة بالشتم أحيانا والتعدي على عامل المحطة حين يرفض خدمته لأنه في الاتجاه المعاكس للمحطة!

ومن الممارسات المشينة بمحطات الوقود اعتقاد بعض السائقين أن المحطة مرمى لنفاياته، ومكان لتفريغ ما لا يلزمه، فتراه يقذف بأكواب البلاستيك وعلب المناديل وبقايا الأطعمة عند باب سيارته، وهو أمر غاية في التعدي لسببين رئيسيين، أولهما يتعلق بالصحة العامة وصحة البيئة، والأمر الآخر يرتبط بقضية التعدي على الممتلكات وسوء استخدامها، بل وجعل أصحابها يقومون بمعالجة وتنظيف مخلفات الآخرين لا لشيء سوى لكسل الأول وانعدام الذوق العام لديه.

ومن مظاهر التشوه الحضاري بمحطات الوقود سوء استخدام مرافقها، خاصة المساجد، حتى إنني لا أبالغ حين أقول إن بعض المسافرين لا يستطيع أداء فريضته في بعض المساجد لانعدام النظافة بدورات المياه واهتراء السجاد ورائحة المكان، علاوة على أكوام النفايات حولها التي تذهب بروحانية الطاعة وتنفر النفوس السوية.

وهناك علاوة على ما ورد أعلاه كثير من مخالفات الذوق العام في محطات الوقود، كالإساءة للعمال، وعدم وجود مال لشراء الوقود لدى السائق مع الوعد بالعودة للسداد وافتعال المشاكل حين يرفض العامل، وتعبئة السائق للوقود بنفسه حين تتأخر الخدمة، والتدخين بالقرب من المضخات، وترك المحرك يعمل أثناء التزود بالوقود، واستخدام أجهزة الجوال والأجهزة الالكترونية أثناء التواجد بها وغيرها.

ولأن الأمر في محطات الوقود يتعلق بأرواح البشر بالدرجة الأولى، ويقتضي أقصى درجات السلامة والحذر، فإن الحد من أي ممارسة تخالف الذوق العام وربما تتطور لتطال جانب السلامة فيها بقصد أو بدونه؛ يعد أمرا غاية في الأهمية يجعل فرض قوانين استخدام محطات الوقود وتشريع ما يلزم لضمان حسن استخدامها ومعاقبة المخالفين لذلك مطلبا فوريا وملحا، ولا سيما أن محطات الوقود بدأت أخيرا في الظهور بشكل عصري وجميل إنشائيا وتجهيزا، وهو الأمر الذي يشكل نصف الطريق وسيكتمل بجمال مشابه في سلوكيات الاستخدام من خلال قوانين الذوق العام لمستخدميها ومرتاديها. والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.

dralaaraj@