محمد حطحوط

العنصرية اللا شعورية في السعودية

السبت - 09 نوفمبر 2019

Sat - 09 Nov 2019

السعودية والسعوديون أرى أنهم - بدون مجاملة - من ألطف وأكرم شعوب العالم. زرت في هذا العام لوحده أربع قارات (أمريكا الجنوبية: بنما والأرجنتين، آسيا ودول عربية، أوروبا: ألمانيا وسويسرا والنمسا وإيطاليا، أمريكا الشمالية)، وأدرك تماما كل حرف في هذه الجملة. السعودي فيه طيبة قلب وفزعة ونخوة وحب للمساعدة من الصعب أن تراها في مكان آخر.

لن تجد دولة في العالم تنقطع فيها مع عائلتك في طريق سريع - قصة حقيقية حصلت للوالد - ثم تتوقف سيارة فيها شابان سعوديان، يعطيانك سيارتهما لتذهب بها مع أسرتك دون حتى أن يعرفا اسمك أو رقم بطاقتك! ويصلحان لك سيارتك ويلحقانك بها في السكن الذي استأجراه لك على حسابهما! ومثل هذه القصص تتكرر بشكل لن يصدقه مشرفك الدراسي في جامعة أمريكية، أو صديقك الأوروبي.

الأجمل أن هذه لوحات من الكرم تظهر دون تكلف، ودون حرص على (عدسات الكاميرا) لمسة إنسانية بعفوية تستحق الإعجاب وزرع قبلة على جبين هؤلاء.

لكن هذا لا يعني أننا مجتمع ملائكي لا يخطئ ولا يحدث فيه تناقضات مثل باقي دول العالم، أحدها: العنصرية اللا شعورية في السعودية، خاصة ضد العمال والبسطاء. لاحظ أنها «لا شعورية» وهنا تكمن الخطورة. تمارس في اللا وعي.. في اللا شعور،

حيث تدخل الممارسة نظرا لتكرارها حيز التنفيذ دون المرور بفلتر العقل، لأنها لا شعورية.

مثال يقرب الفكرة أكثر: لأنك تذهب لدوامك يوميا، ستركز بشكل كبير في الأيام الأولى للطريق، والمواقف، ولكن مع الوقت ستنتقل هذه الممارسة لحيز اللا شعور وتبدأ تفعلها دون تفكير لأن العقل تعود عليها، حيث تخرج من منزلك وتصل لدوامك أحيانا ولا تتذكر كثيرا ما بينهما.

هل (كل) السعوديين يتعاملون مع عامل النظافة أو عامل البقالة بالمستوى نفسه من الاحترام واللطف لو كان مكانه سعودي؟ الجواب: لا، وهنا تكمن المشكلة دينيا وإنسانيا. دينيا الله ساوى بين الناس، فلا فرق بين أعجمي ولا عربي إلا بالتقوى، وإنسانيا حتى غير المسلم له احترام وتقدير، مثل غيره، وهذا كان ولا زال أعظم دليل على رقي الأمم وحضارتها، حيث تظهر من خلال أخلاقها.

إندونيسيا اليوم هي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، كل هؤلاء أجورهم في بنك حسنات بضعة تجار عرب، أدخلوا الناس في دين الله زرافات ووحدانا بسبب أخلاقهم وتعاملهم، دون إراقة قطرة دم.

المبتعثون وحدهم، ومن أجبره القدر على العيش خارج مدينته أو دولته، سيدرك عمق المشكلة، وسيشعر لأول مرة بطعم الغربة وفراق من يحب. لا تحدثني عن دينك.. دولتك.. قيمك.. أخلاقك فقط تغني عن كل هذا، لأنها هي المنتج النهائي لتفاعل كل ما سبق. 10 ملايين مغترب بيننا هم سفراء لنا أو علينا عند عودتهم لأوطانهم. عند حادثة البقيق الإرهابية - التي خلفها إيران - تواصل مع شركة أرامكو موظفون متقاعدون غير سعوديين عادوا لأوطانهم، يريدون خدمة أرامكو والسعودية بشكل تطوعي بالكامل.

كما نجحنا مع موظفي أرامكو نريد فقط تكرار قصة النجاح مع عامل النظافة، ورجل البقالة البسيط، فهم الاختبار الحقيقي لأخلاقك وتربيتك.

mhathut@