عبدالله المزهر

يا ليتني كنت دولة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 04 نوفمبر 2019

Mon - 04 Nov 2019

لا أخفيكم سرا أن من ضمن أحلامي أن أكون دولة، ولو أن مبدأ تناسخ الأرواح حقيقة لتمنيت أن تكون روحي الحالية في جسد دولة في حياة أخرى، أظن أن الأمر سيكون أكثر سهولة وأقل هما من حياتي الحالية كإنسان مسؤول عن منزل مستأجر. الأسباب التي تدفعني لذلك كثيرة، أهمها أني كثير الأخطاء ولم تعد مبرراتي تجدي نفعا، أصبحت كل أعذاري مستهلكة لا أحد يصدقها، ولذلك أحسد كثيرا من الدول لأن لديها من الحجج التي تسير بها أمورها ما لا أستطيع استخدامه في مواجهة مشاكلي الشخصية.

حين يطلب مني ابني زيادة مصروفه فإني سأجد صعوبة في استخدام مبرر القدس للتنصل من الموضوع وأنها القضية الأهم التي لا صوت يعلو فوقها، وحين يطلب مني أن أصلح ماسورة الماء في المطبخ فلن يستمع إلي أحد وأنا أقول إن هذا ليس وقته، لأن منزلنا مستهدف من الأعداء الخارجيين في الحارة، وأن قوى الشر في المنازل المجاورة سيستخدمون قضية الماسورة في زعزعة الأمن والاستقرار داخل منزلنا الهادئ الوديع.

وحين يجتمع أبنائي لمفاتحتي في أي أمر لا أحب الحديث عنه فإني سأجد صعوبة في اتهامهم بأنهم مجرد حفنة من العملاء ينفذون أجندة جارنا الغثيث الذي يوقف سيارته أمام منزلنا، في استفزاز واضح ونوايا مبيتة ومكشوفة.

في الدول الفاشلة ـ مثل لبنان ـ تعيش الدولة على الديون دون أن يكدر ذلك صفو منامها، وتعالج الدين السابق بدين لاحق دون أن تعتبر ذلك منقصة أو جريمة في حق «أسرة الوطن»، أما أنا فحين أقترض وأعجز عن السداد فإني سأدفع من راتبي، وسأكون ملزما بتسديد كل قرش استدنته دون أن يؤثر ذلك على أفراد عائلتي، سيكون من الصعب أن أفرض عليهم رسوما لاستخدام المطبخ ودورات المياه لمساعدتي في تسديد قروضي التي لم يروا لها فائدة فعلية في المنزل.

ومنذ وعيت وأصبحت قادرا على فهم ما أسمع وأنا أشاهد دولا كالعراق وإيران ـ ومن شابههما ـ يرتكبون أخطاء أكثر بكثير من التي أرتكبها في منزلي، ثم لا يجد الساسة في تلك الدول حرجاً في محاولة إخراس الناس بمبرر أن الحديث عن كل تلك الكوارث ليس هذا وقته، ولأن الكلام سيكون سلاحا في يد الأعداء المتربصين، ولأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ـ التي لم تحدث أصلا. وكل من يلمح إلى خراب ماسورة في مطبخ الوطن فإنه بالضرورة أداة في يد الأعداء، ولم تكن حجج الدول هي التي تستفزني بقدر ما كان يستفزني أنها تجد قبولا ورواجا وتصنع أبطالا. وكثير من أبطال العرب ـ وأشباههم ـ في عصرهم الحديث مجرد تماثيل مصنوعة من عجينة التخويف والترهيب والتبرير والوعود التي لا تحدث.

وعلى أي حال..

تخيلوا مثلا أيها الناس ـ أمثالي ـ أن الأخ خامنئي يقول إن المحتجين والمتظاهرين في لبنان والعراق يعطلون تحرير القدس، ويوجد أناس يستمعون له ولحججه ومبرراته ولا يضحكون، ويتعاملون مع كلماته بكل جدية، ويشتمون أولئك العملاء الذين خرجوا للشوارع فأخروا وصول خامنئي إلى بيت المقدس.

ماذا لو قلت لابني الذي يتأخر في العودة إلى المنزل إنه بتصرفاته هذه يؤخر تحرير القدس، أظن أنه سيصر على ألا أبيت تلك الليلة إلا في مصحة للأمراض العقلية، ولو كنت دولة لما فكر في ذلك لأنه لا يوجد مصحة أمراض عقلية تعالج الدول المختلة.

agrni@