العريفي دلال

التخصص في العمل وحكاية أخرى

الأربعاء - 30 أكتوبر 2019

Wed - 30 Oct 2019

سألتني عن سر النتائج العالية التي حققها قسمنا خلال الفترة الماضية، وهل ثمة برامج أو مواقع أنصحها بها؟ لكن الإجابة التي قدمتُها لها يبدو أنها لم تتناسب مع ما كانت تنتظره، مع أني لم أحك إلا الحقيقة التي لا يمكن أن أقول غيرها، فليس لدي من التخصصات إلا ما أملك، ولا أدعي أني أعلم كل شيء عن كل شيء! وهذه حقيقة لا أفتخر بها، لكني لا أخجل منها. وأعتقد أنه إن كان هناك تميز يستحق أن يذكر، فالسر فيه يعود إلى التخصص في العمل، وإلى الكوادر المتخصصة في الفريق. فإن كان من تميزٍ في الأداء، فبِهم ومعهم. وإن كنت لا أعرف كل «تفاصيل» تخصصاتهم، إلا أني أثق تماما أنهم يعلمون ويعملون على أكمل وجه.

ثمة حقيقة يجب أن يدركها كل قائد ومسؤول، أنه لا وجود - في كل العالم وليس فقط في عالم الإدارة - للشخص الذي يدعي بأنه (Know-it-all-boss)، فيعتقد بأنه خبير بكل مجال، عليم بكل أمر. ثم يتعامل مع من حوله وكأنهم مكلفون بالانصياع. ولا أظن أن أحدا في هذا الكون يطمح أن يكون منفذا فقط لأوامر غيره، دون أن يشعر بأهمية دوره، وتأثير رأيه. فكلنا ذاك الشخص الذي يطمح أن يجد له حيزا يمارس فيه إبداعه، ويشعر فيه بقيمته ومكانته.

إن الشخص الذي يعلم كل شيء عن كل شيء مجرد أسطورة خيالية صنعتها لحظات جهل. وما هو إلا شخص تصوّر له نفسه أنه قد أوتي ما أوتي على علم عنده! ويرى أنه أفضل من الكل، وأن الكل مطالب بتنفيذ ما يقرره وحده، فلا يشرك أحدا في قرار، ولا يطلعه على أمر.

إن الإيمان بالتخصص وتوظيف المختصين يقف وراء كل نجاحات مؤسسات المجتمع، وخلف تميز المتميزين، فلا يمكن أن تجد طبيبا استشاريا في أمراض العظام مثلا، يعرف كيف يغير صمام قلب، ولن تجد أستاذا جامعيا يدعي أنه خبير ومختص في كل مجالات الحياة. وقياسا على ذلك فالتخصص في العمل الإداري مهم جدا، ويحمي من تشتت المهام وضياع الأوقات، ويسهم في تخطي الصعوبات ومواجهة التحديات. وليس هناك أفضل من أن تولي الأمر إلى أهله، حيث تدعمهم تخصصاتهم وخبراتهم وتساندهم معرفتهم في أداء أعمالهم. وليس هناك إثم إداري أكبر من أن تدفن بيديك تخصصك أو تخصص غيرك حين تحاول استنباته في أرض ليست له!

والقائد الناجح هو الذي يستثمر كل تخصصات زملائه وفريق عمله، ويتيح لهم الاستمتاع بقطف ثمار حصيلتهم المعرفية والتخصصية في أعمالهم. فيسند المهام لهم بحسب المهارات والمعارف التي يمتلكونها. ولا حاجة للحديث عن مزايا القائد هنا، فأنتم بها أعلم، لكني كثيرا ما أكرر أن الفرق يكمن غالبا في التفاصيل الصغيرة، لذا أرى أن القائد الحقيقي هو الذي يعرف قيمة الإنسان ويهوى استكشاف كنوزه واستثارة طاقاته.