سالم الكتبي

> ترمب وشجار الأطفال في شمال سوريا!

السبت - 26 أكتوبر 2019

Sat - 26 Oct 2019

نشرت العديد من الصحف الغربية في الآونة الأخيرة مقالات وتحليلات عدة تشير في مجملها إلى أن الرئيس ترمب قد وقع في أخطاء أسفرت عن تراجع حاد في النفوذ الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط.

الأمر لم يقتصر على الصحف والمراقبين ومنتقدي الرئيس ترمب من الديمقراطيين الأمريكيين، بل امتد ليشمل أحد أبرز السياسيين في الحزب الجمهوري وزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي أشار في مقال له نشرته صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن قرار الرئيس ترمب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، الذي ترافق مع هجوم تركي على شمال البلاد يمثل «كابوسا استراتيجيا»، و»خطأ استراتيجيا خطيرا».

عبر ميتشل عن رأيه بصفته زعيما للأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، وقال «تزامن انسحاب الولايات المتحدة مع تصاعد الأعمال العدائية التركية-الكردية يخلق كابوسا استراتيجيا لبلدنا». ونقاط انطلاق السيناتور ميتشل في رفض قرار ترمب تكمن في أن هذا القرار «يحد من قدرة» واشنطن في حربها ضد تنظيم الدولة (داعش)»، وأن «الانسحاب» الأمريكي سوف يسمح بنمو النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة.

اللافت أن السيناتور ميتشل لم يذكر اسم الرئيس ترمب صراحة في هذا المقال، ولكنه ركز على القرار ذاته، ويبدو أنه أراد تفادي الاصطدام بالرئيس الجمهوري الذي اعتبر أن الوضع في شمال سوريا «رائع من الناحية الاستراتيجية» بالنسبة للولايات المتحدة، وقال «هناك مشكلة عند الحدود (السورية التركية)، إنها ليست حدودنا، يجب ألا نفقد الأرواح هناك».

من الواضح أن هناك قيادات كثيرة من الجمهوريين في الكونجرس يرفضون قرار الرئيس ترمب بسبب سياسته في سوريا، ويكفي أن أحد أبرز حلفاء الرئيس الأمريكي وهو السيناتور ليندسي جراهام، من المعارضين البارزين لقرار سحب القوات الأمريكية من سوريا.

والحقيقة أنه لا يمكن لأي مراقب القول بأن قرار الرئيس ترمب يتسبب في تراجع التأييد الشعبي له، فترمب لا يزال يراهن على فكرة واحدة يدغدغ بها عواطف الملايين من الأمريكيين، وهي فكرة عدم انخراط القوات الأمريكية في أي معركة لا علاقة للولايات المتحدة بها، وأن من الضروري سحب القوات من المعارك التي لا طائل من ورائها، وهو ما يركز عليه ترمب بالفعل في خطابه السياسي الشعوبي، الذي لا يزال يلقى قبولا من نسبة كبيرة من الشارع الأمريكي، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي التي يشير معظمها إلى أن غالبية الأمريكيين تعارض عزل الرئيس من منصبه رغم أن نسبة كبيرة من الديمقراطيين تؤيد البدء في إجراءات العزل، حيث أكد استطلاع رأي أجرته جامعة كوينيبياك بعد يوم من إعلان رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أن الديمقراطيين في مجلس النواب يعلمون على إطلاق تحقيق رسمي في قضية المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني، أن 37% فقط من الناخبين المسجلين يرون أنه يجب عزل ترمب وإزاحته من منصبه، في حين قال 57% ممن شملهم الاستطلاع إنه لا يجب عزل الرئيس.

وبدا واضحا من متابعة تطور الأحداث في أزمة الاعتداء العسكري التركي على الأراضي السورية، أن الرئيس ترمب قد انتقل من الدفاع إلى الهجوم على منتقديه، عقب الاتفاق مع الجانب التركي على تعليق العمليات العسكرية ضد الأكراد، حيث أثنى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على الاتفاق، قائلا إنه «كفيل بإنقاذ ملايين الأرواح»، وقال ترمب «بلا إراقة قطرة دم أمريكية واحدة، ولا قطرة واحدة، توصلنا جميعا إلى اتفاق لوقف الهجمات، أو وقف إطلاق النار، في المنطقة الحدودية السورية».

واللافت أن الرئيس ترمب قد شبه القتال بين القوات التركية والكردية شمال شرق سوريا بمشاجرة بين طفلين، وقال «كطفلين في فناء، تتركهما يتقاتلان لبرهة قبل أن تفصل بينهما»، وأضاف ترمب «أحيانا يتعين عليك تركهما يتقاتلان لبرهة، وعندئذ سيدركان مدى صعوبة المسألة».

بغض النظر عن ميل ترمب للتهوين من خطورة الاعتداء التركي على الأراضي السورية، فإن الواقع يشير أن ضغوط الرئيس ترمب وتهديداته، بل ورسالته التي أرسلها للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ووصفت بأنها خارج المألوف في الأعراف والتقاليد الدبلوماسية، والتي خاطب فيها إردوغان بالقول «لاتكن أحمقا»، قد أتت ثمارها وأسفرت عن تراجع تركي مذل وسحب لتصريحات إردوغان التي أعلن فيها عدم لقاء نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس خلال زيارته لتركيا، ثم ما لبث إردوغان أن سحب كلامه واستقبل بنس وتوصل معه إلى اتفاق يعتبره المراقبون بمنزلة طوق إنقاذ أخرج الرئيس ترمب من ورطته، حيث وافقت تركيا على وقف الهجمات مدة خمسة أيام للسماح لقوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية بالانسحاب من «منطقة آمنة» تنشد أنقرة السيطرة عليها. وهو اتفاق أنهى العملية العسكرية التركية ببساطة ولم تقدم الولايات المتحدة فيه أي تنازل سوى إلغاء العقوبات التي فرضتها على عدد قليل من المسؤولين الأتراك ولم تجد طريقها للتنفيذ بعد!

الخلاصة أن ما حدث هو إثبات جديد من الرئيس ترمب بأن رهانه على العقوبات يؤتي حصاده، وأن العقوبات الصارمة أكثر فاعلية من التدخلات العسكرية، حيث يجمع الخبراء على أن تراجع تركيا وموافقتها على تعليق العمليات العسكرية تمهيدا لوقفها تماما ليسا سوى نتيجة مباشرة للخوف من عقوبات أمريكية كان الرئيس ترمب قد وعد بأنها «ستدمر الاقتصاد التركي»، مما وفر له الفرصة لإنهاء «شجار الأطفال» كما وصفه، بزيارة استغرقت ساعات لنائبه مايك بنس ووزير خارجيته مايك بومبيو لتركيا.

salemalketbiar@