عبدالله المزهر

نزلوني!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 20 أكتوبر 2019

Sun - 20 Oct 2019

في بداية ثورات الربيع العربي كنا نتحدث أنا وأصدقائي في المنظمات الإرهابية أثناء تخطيطنا لزعزعة هذا الكوكب البائس عن الدول التي يمكن أن يطالها ذلك الربيع، والحقيقة أن أول دولة استبعدتها بحكمتي وفطنتي السياسية التي لا تخفى عليكم كانت لبنان، ليس لأن قوتها وازدهارها وتطورها وحداثتها أشياء تجعلها عصية على الثورة، فهي لا تملك أيا من هذه الأشياء. لكن الثورة تحتاج وجود دولة ونظام سياسي من الأساس للقيام بثورة عليه والمطالبة بإسقاطه، هذا أيضا لم يكن متوفرا في الحالة اللبنانية وهو أهم شروط قيام الثورات.

في لبنان ثلاث دول تزيد إلى أربع في بعض الأحيان، وكل دولة لها نظامها الخاص الذي لا يلائم غيرها ولا يلائمها نظام غيرها. لبنان عاش فترة بلا رئيس وأخرى بلا حكومة وثالثة بلا مجلس نيابي، وأظن أنه يمكن أن يجرب أن يعيش بلا شعب، وفي لبنان وحدها يوجد انتخابات حرة لا يشك أحد في نزاهتها، وسقف مرتفع جدا لحرية التعبير، وتعتبر من الحالات النادرة في العالم العربي التي ما زال لديها رئيس «سابق» على قيد الحياة وليس في المنفى. وهذا تقريبا أهم ما تطالب به الثورات في البلدان العربية الأخرى.

لكنها كانت صورة مزيفة لأنها ديموقراطية حقيقية تحكمها ديكتاتورية حقيقية أيضا، فالزعامات التي تصل إلى المناصب بالانتخاب الحر لا تتغير ولا تتبدل ويتم توارثها، وإذا كان في الدول التي تثور شعوبها ديكتاتور واحد فقط فإن في لبنان فرقا من الديكتاتوريين المستبدين الذين لا يرحلون ولا يتغيرون. أي إن لبنان يحتاج إلى أربع ثورات في وقت واحد، يكون هدفها «الشعب يريد إسقاط الأنظمة»، وهذا أمر يبدو غير محتمل الوقوع.

وهذا أمر ملاحظ في خطابات «النخب السياسية» الآن مع الحراك الذي يحدث في الشارع اللبناني، فكل زعيم يؤيد المحتجين ويلقي باللائمة على بقية الزعامات والنخب الأخرى.

تخيلوا مثلا ـ وأرجو ألا تضحكوا لأن هذه ليست طرفة ـ أن حسن نصر الله شخصيا يتعهد بمتابعة ملف الفساد بنفسه، وهذه قمة البجاحة التي يمكن أن يصل إليها مخلوق من أي فصيلة من فصائل الكائنات الحية، الفاسد الذي يتعهد بملاحقة الفاسدين هو أكثر فاسد مر في تاريخ لبنان تحديدا والمنطقة عموما، وسلم لبنان كلها بأرضها وشعبها وقرارها لكفيله ووليه المرشد في طهران، وهو لا يعترف بهذا فحسب، بل إنه يفاخر به ويعده إنجازا لم يسبقه إليه أحد من العالمين. وأتباعه يرون في ذلك نصرا من الله وفتحا قريبا.

وعلى أي حال..

الفساد وجهة نظر، وما قد تعتقد أنه فساد يراه آخرون صلاحا مبينا، يكفي أن تعرف أن تجار المخدرات والمروجين وسارقي قوت وحياة الناس يخرجون الآن في لبنان يؤيدون التظاهر وينددون بالفساد ويتعهدون بالقضاء عليه. وهذا سبب كاف يدفعني للمطالبة بإيقاف هذا الكوكب، أريد أن أنزل هنا، أكملوا وحدكم.

agrni@