المستشار الأكاديمي حاجة أم ترف!

الجمعة - 18 أكتوبر 2019

Fri - 18 Oct 2019

كفاءة الأكاديمي وتميزه في أداء عمله بالإضافة لما يحمله من علوم نظرية وخبرة ميدانية دائما ما تؤهله لتولي مناصب قيادية، وتجعله محل أنظار واهتمام كثير من القطاعات الحكومية والخاصة، فإن لم يكن قائدا مباشرا وموجها لدفة العمل الإداري لدى هذه الجهة أو تلك، فعلى الأقل يكون مستشارا للمسؤولين فيها، وهذه الحقيقة لا يختلف عليها اثنان، ولا تحتاج لتأكيد أو تأييد من هنا أو من هناك، والإشكالية بالطبع ليست هنا، مع أن باب نقد كفاءة وأداء الأكاديميين مفتوح على مصراعيه، ولكن المشكلة أن تتحول مهمة المستشار الأكاديمي من مهمة راقية، رقي صاحبها، إلى موضة في عالم الإدارة الأكاديمية أو مصدر رزق ترفي!

في السنوات الأخيرة، وفي ظل الدعم المالي السخي والرعاية والاهتمام من قبل الدولة، بدأنا نلاحظ تفشي ظاهرة «المستشار الأكاديمي» وانتشارها في الجامعات بشكل لافت للنظر، ومثير للشك والريبة، حيث يلجأ بعض مدراء الجامعات ووكلائهم وعمداء الكليات ومن هم دونهم إلى الاستعانة بمستشارين أكاديميين، إما من داخل الجامعة أو من خارجها، وفي الغالب هؤلاء المستشارون لا يقدمون ولا يؤخرون شيئا، وإنما وجودهم يكون - على الأرجح - من باب «البرستيج» لمن استقطبهم، أو من باب المجاملة لهم أنفسهم أو لغيرهم، أو من باب زيادة الدخل الترفي والاستنفاع، أو بها كلها مجتمعة.

ومما جرت به العادة وتواترت عليه المصلحة الخاصة أن يصدر مدير الجامعة قرارا بتكليف وكلائه المتقاعدين أو المنتهية فتراتهم الإدارية، على وظيفة مستشار لدى معاليه، وتصرف للواحد منهم مكافأة شهرية لا تقل عن خمسة آلاف ريال، مزيدا فوق رواتبهم، وفوق ما ينالونه من مكافآت اللجان الدائمة التي إما يرأسون إداراتها أو هم أعضاء فيها، وبهكذا استراتيجية يضمن هؤلاء استمرارهم في التمتع بمزايا مالية هم لا يستحقونها، لا بالنظام، ولا نظير ما يقدمونه من مشورة ورأي، هذا إذا افترضنا أنهم فعلا يقدمون استشارات! بل ويضمنون مع ذلك بقاءهم القوي في مركز القرار الجامعي، والاستمرار في الظهور في فعاليات ومناسبات الجامعة، ومثل هذا النوع من الترتيبات الوظيفية في الإدارات العليا - في اعتقادي - لا يأتي مصادفة هكذا أو عن حسن نية!

في إحدى الجامعات المحلية بلغ وضع الاستشارات حدا أكبر مما نتخيل! فعلى كثرة المستشارين المحليين، لدى هذه الجامعة هيئة استشارية دولية، أمينها وكيل متقاعد ومستشار حالي، تضم مجموعة من الخبراء الدوليين، كل سنة يجتمعون بمدير الجامعة ووكلائه مرة أو مرتين، ويأتون إلى رحاب الجامعة وكأن معهم معجزات الأنبياء أو كرامات الأولياء!

أو يجتمعون حسب المزاج وأجواء المزاج في أحد المنتجعات السياحية في أوروبا أو في شرق آسيا، وتصرف لهم مبالغ مالية طائلة علاوة على تذاكر السفر والإقامة وما يلحقهما! ترى ماذا قدمت هذه الهيئة للجامعة؟ وما هو أثر اجتماعاتها على تطور الجامعة منذ أن بدأت الهيئة في عملها قبل عشر سنوات إلى اليوم! لا شيء يذكر، اللهم إلا ذكريات البذخ والسفر حول العالم!

وليست مسألة تكليف المستشارين مقتصرة على مدراء الجامعات، بل حتى وكلائهم، وعمداء العمادات المساندة، ولا أبالغ إن قلت إنه من النادر أن تجد أحدهم وليس لديه ثلاثة مستشارين على الأقل! يقول أحد الزملاء ممن أثق في عقله ونقله: كنا ذات مرة في صراع على توزيع الأعباء التدريسية في بداية الفصل الدراسي، كالعادة وكما يحدث في كل الأقسام، ومع المراجعة وارتفاع الأصوات والأخذ والرد، وجدنا أن أحد زملائنا يأخذ أقل من عبئه التدريسي الموكل إليه، فلما تساءلنا عن سر ذلك، ونددنا وشجبنا، رد علينا رئيس القسم بقوله: هذا مستشاري! وخفضت العبء عنه نظير ما يقدمه لي من مشورة، قال: فسكتنا! لأننا لو قلبنا حجرا في الجامعة لوجدنا تحته مستشارا.

ظاهرة «المستشار الأكاديمي» إن نظرنا لجوانبها السلبية وهي الأكثر، فإنه من الأجدر وصفها بأنها ظاهرة ترفية لا تقل عن مظاهر الترف والإسراف والبذخ عند بعض أفراد المجتمع، إلا أن ظواهر الإسراف والتبذير في المجتمع تنم عن قلة وعي مجتمعي، بينما هذه تنطوي على ما قد يرقى لشبهة فساد مالي وإداري، وسواء كانت الدوافع لوجود مستشار أكاديمي ترفا أو حاجة فالأمر سيان، ولا يعكس إلا شكلا من أشكال الفساد المالي والقصور الإداري، ولذلك أرجو معالي وزير التعليم، وهو الأكاديمي الخبير، والعارف بأمور الجامعات أن يصدر قرارا يحد من هذه الظاهرة ويقضي على مظاهر الترف والبذخ الأكاديمي هذا، فإن فعل - وهذا ظني في معاليه - فإنه سيغلق بابا من أبواب الفساد المتظلل ببحبوحة تفسير وتأويل الأنظمة واللوائح!

drbmaz@