العريفي دلال

الحرية المهنية.. والموظف المقيد

الجمعة - 11 أكتوبر 2019

Fri - 11 Oct 2019

يقول ابن باديس «فحق كل إنسان في الحرية والحياة، ومقدار ما عنده من حياة، هو مقدار ما عنده من حرية، والمعتدي عليه في شيء من حريته كالمعتدي عليه في شيء من حياته». ومن حديثه هذا، نزداد يقينا بأن الحرية ليست فقط ضرورة من ضرورات الحياة للإنسان، يمارس فيها تميزه، ويعبر بها عن قدراته، وإنما ترتبط بالروح الإنسانية والعقل الإنساني. وغياب الحرية قد يعني الموت معنويا للفرد، فسلبه حرية الاختيار والتقرير يعني تجريده من حقه في الحياة.

والحرية المهنية تبرز كجزء من الحرية العامة للفرد، إلا أن الحرية المهنية ليس لها المعنى نفسه الذي يمثله مصطلح الحرية عموما، حيث إن معنى الحرية ينفي وجود ضغوط على الفرد، إلا أنه من الطبيعي، في بيئات العمل أن العاملين والموظفين داخل المؤسسات يخضعون كما تخضع مؤسساتهم، لمجموعة من القوانين والأنظمة والسياسات الإدارية التي تنظم العمل، وترسم المسارات. لكن وجود تلك القوانين والسياسات الإدارية قد يسهم في إلغاء حرية الأفراد بدرجة معينة، فليس الفرد حرا في مخالفة سياسات عمله، وفي المقابل فالمؤسسات لا تقبل أن تسلب حرية منسوبيها، فتعاملهم بالإجبار وتحرمهم حق الاختيار.

والحديث عن السياسات الإدارية والقوانين المنظمة للعمل ووجود الأنظمة والأدلة الوظيفية لا يعني أن الفرد مقيد داخل منظمته، فإنها لم توضع أساسا إلا لهدف تنظيم الأعمال، وتنسيق الجهود، وتطبيق كل الوظائف الإدارية التي تضمن سلامة المسير لبلوغ الغايات التي تطمح لها المؤسسات. كما أن وجودها داخل بيئات العمل لا يعني أن الموظف مجبر على الانصياع لتلك القوانين، وإنما يدل على أن هذا الموظف مسؤول عن وظيفته ومهامها وكل ما يتعلق بها.

والحرية المهنية إنما يقصد بها الالتزام بالقواعد والقوانين مع إعطاء الرؤساء للمرؤوسين فرصة التحرر أو الحرية بحدود معينة، وضمن إطارات واضحة. لكن هذه الحرية لا تلغي وجود السياسات والقواعد المنظمة للعمل، وإنما تركز على إعطاء الموظف حرية في حيز معين، قد يكون هذا الحيز كل ما يخص دوره ومهامه. فالحرية المهنية تتضمن منح الموظف حرية التعبير وإبداء الرأي، وحرية اتخاذ القرار والمشاركة فيه، وحرية التنقل بين المستويات الوظيفية المختلفة، وحرية البحث والحصول على المعلومات اللازمة كالاستفسارات حول القرارات والأهداف، هذه الحريات تشعر الموظف بالثقة والطمأنينة والاستقرار داخل المؤسسة التي ينتمي إليها، وتتحقق معها سعادته في بيئة عمله.

وبما أن الحديث عن الحرية، فمن حق أي شخص أن يسأل: لماذا تسعى بعض المؤسسات إلى سلب وتقييد منسوبيها؟ ثم لماذا تطلب منهم تميزا وهم مقيدون؟ ولا أعتقد أنه من المنطقي أن تلقي المؤسسة أحد أفرادها في اليم مكتوفا ثم تطلب منه ألا يبتل بالماء!

_darifi@