عبدالله المزهر

فن البجاحة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 09 أكتوبر 2019

Wed - 09 Oct 2019

لم أدرس العلوم السياسية ولم أقرأ كثيرا في هذا المجال، وإن كنت أنتوي فعل ذلك مستقبلا. ولذلك فإني حتى الآن لا أعلم هل يدرسون البجاحة ضمن مناهج هذا العلم، أم أنها علم قائم بذاته، أم أنها تعتمد على الاجتهاد الشخصي للمشتغل بثاني أقدم مهنة في التاريخ.

وكنت في السابق قد توهمت أني سأكون سياسيا بارعا لأني أجيد الكلام الكثير الذي لا معنى له. ومبلغ علمي عن السياسة أن السياسي رجل يتحدث كثيرا لكنه لا يقول أي شيء وهذه صنعة أجيدها ـ كما تعلمون ـ. وكنا نحن العامة والدهماء لا يصلنا الكثير وقد يصرح السياسي ويتحدث عن قضية هامة لكن كلامه لا يصلنا إلا بعد أن يكون هو قد نسيه، اليوم تغير الوضع وأصبح الضخ الإعلامي يجبر الإنسان العادي أن يعرف حتى ولو لم يسع لذلك ماذا قال ذلك السياسي وكيف ردت وزارة الخارجية في دولة لا نعلم أين تقع على تصريح وزير الدفاع في دولة لا نعرف ما هي اللغة التي يتحدثها أهلها.

وهذا الوضع أربك طموحاتي قليلا، فقد تعرفت على صفات أخرى يجب أن تتوفر في السياسي المؤثر وأجد أنه من الصعب علي تقبلها وبلعها. مثل مهارة البجاحة وموهبة سعة الوجه.

أنا أكذب ـ كما نفعل جميعا ـ لكن المشكلة التي تواجهني مع الكذب هي أنني لا زلت أجد صعوبة بالغة في التخلص من الخجل الذي يسببه هذا السلوك. حين أكذب على أحدهم ـ وأنا أفعل ذلك كثيرا ـ فإني أتحاشى الالتقاء به مجددا خوفا من أن يكون قد عرف الحقيقة التي زورتها. أغلب الساسة لا يعانون من هذه المشكلة وهذه موهبة عظيمة يحسدون عليها.

حين يصرح الساسة الإيرانيون ـ على سبيل المثال ـ بأنهم يدينون التدخل الخارجي في شؤون العراق فإني أخجل من هذا التصريح مع أنه لا علاقة لي بالموضوع، أشعر أن كمية البجاحة في هكذا تصريحات محرجة بعض الشيء حتى لمن يسمعها فكيف هو الوضع من يقولها.

هذه الحالة تشبه الحالة التي نمر بها حين نشاهد مقطعا سخيفا ثم نخجل من إكماله ونستحي أكثر مما يفعل الشخص الموجود في المقطع.

روحاني يستفزني لسببين، كل واحد منهما أسوأ من الآخر، الأول أنه بجح أكثر من الحد المقبول للبجاحة، فهو يصرح مثلا بأن من حق تركيا أن تدافع عن حدودها الجنوبية ويعتبر فعل السعودية ذات الأمر وتصميمها على إبعاد الإيرانيين ومنتجاتهم عن حدودها الجنوبية تدخلا في الشأن اليمني، وهذه بجاحة مركبة لا يجيدها إلا سياسي محنك مثل روحاني.

السبب الثاني الذي يجعل اسم روحاني مستفزا بالنسبة لي هو أنني من قرية عظيمة اسمها «آل روحان»، وحين اسمع اسمه في الأخبار أظنهم يتكلمون عن واحد من قريتنا، بحكم أن كل منتم إلى آل روحان «روحاني» بالضرورة. ولو كان من «آل عبيد» لهان الأمر.

وعلى أي حال..

البجاحة هي السمة الأبرز في هذا العصر، ويبدو أنها لا بد أن تتوفر في كل أحد وليس الساسة فقط، فالفنان يحتاجها، وكذلك الكاتب والإعلامي ورجل الأعمال، وهي ضرورية فيما يبدو حتى في ملاعب كرة القدم. ولذلك أظن أن وجود معهد لتدريسها والتدرب عليها سيكون مشروعا تجاريا عظيما ومربحا ومفيدا.

agrni@