علي المطوع

البطولات التلفزيونية

الثلاثاء - 08 أكتوبر 2019

Tue - 08 Oct 2019

نجحت قطر (تلفزيونيا) في تنظيم بطولة العالم لألعاب القوى التي أقيمت في الدوحة مؤخرا، ولكن كان ذلك على صعيد المنشآت الاسمنتية والتغطية الإعلامية فقط.

الإخفاق الأشد كان في الجانب البشري، سواء على مستوى مشاركة الإنسان القطري الأصيل أو الحضور الجماهيري اللازم لإنجاح هذه البطولة.

كل ذلك سبب حرجا للدولة المضيفة، خاصة في الأيام الأولى للبطولة، حيث رأينا بعد ذلك السلطات المحلية تعلن النفير العام للمواطنين والمقيمين لتعبئة تلك المدرجات الفارغة أو تغطيتها بأغطية بلاستيكية تمويهية يصعب تمييزها من خلال الكاميرا وخداعها المعروف في تغيير الواقع وتزييف الصورة.

قطر اعتمدت كعادتها على الدعاية المضللة، لنقل المنافسات وحضورها، وحاولت جاهدة تعبئة الفراغات التي شوهت صورة الاستاد الرياضي، فغياب العنصر البشري وندرته في دولة قطر يجعلها دائما في مآزق محرجة أمام نفسها والعالم، وهذا ما جعل البطولة بطولة تلفزيونية دعائية بامتياز.

مشكلة الحكومة في قطر أنها تصادر التاريخ وتصادم الجغرافيا، وفي المحكات التي تحاول من خلالها الظهور بمظهر الريادة في المنطقة يظهر العوار، والسبب هو التعالي على الواقع والسقوط في فخ العناد والمكابرة والمجازفة، والإيمان بنظرية المؤامرة وأن الجوار بحكوماته وشعوبه يناصبها العداء ويكن لها البغض والحسد.

ليس عيبا أن تكون قاصرا في جانب من الجوانب الحضارية، وليس عيبا أن تكون دولة صغيرة في حجمك الجغرافي والديموغرافي، ولكن العيب أن تمارس المراء السياسي والمناكفات مع جيرانك الأقربين وتستغل جانبا من جوانب تميزك لتستثمره في أذية أولي القربى وظلمهم، وهو ما يرسخ المرارات في الصدور ويجعلك تخسر الإنسان البسيط الذي لم يعد أسيرا لخطاب قناة الجزيرة المحكومة بمزاج الحكومة القطرية المتغير تبعا لمزاجات قوى إقليمية ودولية متعددة.

بطولة ألعاب القوى الأخيرة وما شابها من غياب للجماهير مؤشر عجز تنظيمي خطير ستعانيه قطر عند استضافتها بطولة كأس العالم القادمة، خاصة أنها بطولة تختلف كثيرا عن البطولة الأخيرة، فهذه منافسات كرة قدم والمشجعون المتوقع حضورهم إلى قطر سيكونون بالملايين وهو ما سيجعل الدوحة مكتظة بجميع الأجناس والأشكال، في مساحة جغرافية صغيرة ومحدودة جدا.

تخيلوا لو كانت قطر تتمتع بعلاقات طبيعية مع جيرانها، خاصة مع السعودية، كيف سيكون وضعها في تلك البطولة؟ تخيلوا لو كانت النوايا القطرية الحكومية سليمة مع الجوار، حتما سنشاهد كأس عالم بمواصفات عالمية وبصبغة عربية أصيلة.

بطولة العالم لألعاب القوى التي جرت مؤخرا في الدوحة كشفت مرارة العزلة القطرية في عيون العقلاء في قطر والخليج، ودقت ناقوس الخطر حول فداحة الاستمرار في حالة العداء غير المبررة مع المحيط القريب، خاصة أن حملات التحالفات التي صنعتها مؤخرا سيّلت كثيرا من رصيدها الخليجي والعروبي، ناهيك عن الصناديق المالية السيادية التي تم تسييلها سريعا جدا، في حالة تذكرك بالتسامي الفيزيائي الذي تتحول فيه المادة الصلبة إلى حالة من التبخر دون المرور بالحالة الوسط وهي السائلة، كل ذلك تحت تأثير سخونة الأحداث في المنطقة، والضغط المتزايد الذي مارسته الدوحة على نفسها، بدءا بشعار كعبة المضيوم، وصولا إلى (نحن بخير من دونهم).

alaseery2@