عبدالحليم البراك

الإنسان الحيوان!

الاثنين - 07 أكتوبر 2019

Mon - 07 Oct 2019

ينسب إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو القول إن «الإنسان حيوان ناطق»، ويقصد بأنه حيوان مفكر، وإلا فإن النطق بحد ذاته ليس ميزة، فاللغة المفيدة تجعله إنسانا متكلما بما يفيد، وإلا فالببغاء ناطق مقلد، بل إن القرد له عشر كلمات ينطقها، تتضمن معاني التحذير والفرح والإعلان عن وجود طعام، وهذه ليست ميزة فلا يزال القرد قردا، وهذا يعني أن النطق ليس ميزة بحد ذاته، ما لم يكن نطقا ذاكرا، مفيدا مصلحا.

وكون الإنسان حيوانا ناطقا أيضا ليس ميزة إن لم ينطق بالكلام الحسن اللطيف، وإلا أصبح حيوانا فعلا، والنطق مرتبط بالفكر، فالكلمات خلفها عقل مدبر يفكر، وهذا التفكير إن لم يكن إيجابيا ينفع البشرية فإنه سيصبح عقلا مفسدا، وكلما فكر هذا الحيوان الإنسان الناطق المفكر أكثر آذى الناس أكثر، وهنا تصدق فيه صفة «الحيونة» بنزعتها السلبية اللا إنسانية وليست الإيجابية!

الفيلسوفة حنا إيرنت (ربما هي من القلائل من السيدات التي يطلق عليها لقب فيلسوفة) تقول بأن «الإنسان حيوان سياسي»، ولا شك أن الإنسان يمارس السياسة، ويصنعها وينظرها، وكذلك يفرضها وتفرض عليه، لكن يمكن للإنسان أن يكون إنسانا وحيوانا سياسيا بمعناه الإيجابي، عندما يساهم في نشر العدل والحرية والإخاء بين الناس، وأما ذلك السياسي اللا إنساني إن كان يرسل طائرات الدرونز إلى دول الجوار لإيذاء جيرانه ثم يتنصل من فعلته، وكأنه لم يفعل شيئا أو لم يهدد العالم كله بتهديده للنفط العالمي! فتنطبق عليه اللا إنسانية السياسية، فبعد أن خرجت عمائم إيران السياسية من حرب الثماني سنوات مع العراق، عادت لنشر ثقافة الحرب في كل بقعة تصل إليها العمائم الإيرانية من العراق، ولبنان وسوريا واليمن!

والإنسان حيوان رياضي أيضا، ويتخلص من لقب حيوان إن صارت الرياضية شكلا من أشكال القوة البدنية والمنافسة الحرة الشريفة، أما إن كانت الرياضة صيغة من صيغ التعصب والإيذاء والشتيمة، فإن الإنسانية تترك المكان لتجعل ممن زعم الإنسانية مجرد حيوان رياضي يمارس أو يشجع بعنصرية مقيتة.

والإنسان حيوان اجتماعي كما ينسب إلى سقراط كذلك (يبدو أن سقراط وغازي القصيبي ينسب لهما الكثير مما قالاه أو مما لم يقولاه!) وهو اجتماعي بمعنى لطيف ويختلط بالآخرين، ليكون عقدا اجتماعيا بين الناس مفيدا ونافعا وعضوا متكاملا، لكن هذا الحيوان الاجتماعي قد يتحول إلى حيوان اجتماعي بجانبه السلبي الذي لا يتلطف ولا يبادل الود بين الناس، فيأخذ صفة التمرد أو الإيذاء الاجتماعي النافع غير الضار.

ثمة صفة أخرى للإنسان أطلقها المحدثون، وهي أنه حيوان افتراضي، ويقصدون به ذلك الإنسان الذي يتواجد على واقع التكنولوجيا أكثر من تواجده الأنطولوجي (الوجودي – الفيزيقي) في الحياة العامة، وهذا الإنسان الافتراضي يقوم بعمل خير عظيم، كنشر الكتاب الالكتروني ونشر الثقافة الصحية، ونشر الخير، لكنه قد يكون مؤذيا ليحتفظ بصفته الحيوانية ويتخلى عن صفته الإنسانية، فينشر الفيروسات والتهكير والإيذاء، وربما نشر الممنوعات والفوضى والإرهاب عبر فضاء الانترنت فتصبح صفته الحيوانية الافتراضية السلبية حاضرة وبقوة هنا.

أخيرا، الحيوانية ليست عيبا بحد ذاتها، فهي رتبة تصنيفية بيولوجية لا أكثر، لكن عندما تصل حد الإيذاء فهي عيب لا خير فيها، عصم الله إنسانيتنا من الحيونة الثقافية!

@Halemalbaarrak