فيصل الشمري

ما الذي يجعل الشخص متطرفا؟

الاحد - 06 أكتوبر 2019

Sun - 06 Oct 2019

ما الذي يدفع الشخص إلى أن يصبح متطرفا فكريا أو دينيا، حتى إلى درجة أن يصبح انتحاريا؟ أو يقتل؟ مثل معظم الناس والتصور العام المنتشر، كان افتراضي أن الفقر والجهل مسبب رئيس لذلك. إن خط الفقر مسبب على هذا النحو، فالفقر المدقع الذي يبدو أنه لا مفر منه يشجع الاستياء من الوضع الاجتماعي والكراهية ضد من يملكون كل شيء. إذا كانت الاختيارات هي الموت شهيدا أو الموت متسولا، فإن الشهادة هي الرابحة في هذه المعادلة.

تسير خطوط الجهل والفقر معا على هذا النحو: ليس للفقراء أي فرصة للحصول على تعليم جيد، وبالتالي هم عرضة للتأثير من المنظرين في هذه الجماعات الأصولية يستفيدون من جهلهم في أمور الدين والدنيا. يصبح الجاهل هدفا سهلا للمتطرف، يصبح من السهل جذبه للفكر المتطرف. نظرا لوجود كثير من الفقر والجهل في جميع أنحاء العالم، فهناك كثير من الناس الذين يمكنهم استغلال ذلك لبث أفكارهم المتطرفة.

تمعنت في موضوع التطرف والحركات الأصولية في العالمين الإسلامي والعربي، والذي يجند فيه المتطرفون. ووجدت شيئا مختلفا كثيرا عما كنت أتوقعه؛ الفقر ونقص التعليم ليس لهما علاقة بالتطرف. فكثيرون ممن أصبحوا متطرفين دينيا - وهم على استعداد للقتل والموت من أجل قضيتهم - ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، وكان كثير منهم جامعيين. هؤلاء ليسوا فقراء أو غير متعلمين، حتى إن بعضهم مثقفون وعاشوا حياة طيبة.

لذا، إذا كان الفقر والجهل لا يدفعان الناس إلى التطرف، فما الذي يفعل ذلك؟

أولا الرغبة المعنوية والتنظيم. أماكن مثل باكستان والعراق وسوريا غارقة في الفوضى والفساد والسادية والعنف، ويعد الإسلاميون بإيجاد حلول واضحة لكل مشكلة وكيف أن الأمور ستتغير إذا كانوا في السلطة، ليقولوا «إسلامنا هو الحل.. طريقتنا هي الحل».

وثانيا الرغبة في التغيير. يقول الأصولي إنه يجب الإطاحة بالنظام الفاسد القديم، ولا يمكن أن يحدث هذا إلا من خلال العنف والثورة ضد النظام القائم. مرة أخرى فإن الأصوليين يعدون بإنشاء شكل جديد من الحكم الطاهر القائم على شرع الله، ويسوقون للمدينة الفاضلة التي لا وجود لها.

يصورون أنفسهم على أنهم الضحية؛ لسنا مسؤولين عن الحالة المؤسفة لبلدنا، الآخرون قد أسقطونا، النظام الدولي ضدنا والمؤامرة على ديننا. كثيرون يتعاطفون عن حسن نية مع ذلك. هذه بالطبع هي الإجابات والأفكار السهلة نفسها التي لطالما عرضها وسوقها الطغاة على أتباعهم دائما، من لينين وموسوليني إلى هتلر وبن لادن.

إذن ما الذي يجب فعله حيال هذا التطرف؟

أولا: الخروج من هذه الرواية الكاذبة بأن مشكلة التطرف والمتطرفين هي الفقر أو التعليم أولا.

ثانيا: تناول فكر الجماعات المتطرفة وتعرية هذا الفكر. إنهم يعدون أن طريقهم أفضل، لكن ما الذي يقدمونه في الواقع؟ الجواب دائما: المزيد من الموت، المزيد من المعاناة والمزيد من الفقر. بمعنى آخر، يحتاج الشباب إلى رؤية هذه الجماعات الأصولية على ما هي عليه. عندها فقط نقطع عليهم طرق الاستقطاب.

ثالثا: يتعين على وسائل الإعلام التوقف عن معاملة المتطرفين كمقاتلين من أجل الحرية، وهي قصة شائعة جدا في أماكن مثل باكستان وسوريا والعراق، ما تفعله قناة الجزيرة هو أنها تصور أفراد جماعات مثل القاعدة وجبهة النصرة على أنهم مقاتلون من أجل الحرية، وترويج أدبياتهم عن طريق برامجها أداة استقطاب كبيرة لهذه الجماعات.

رابعا: لا يمكن للمعلمين وأولياء الأمور افتراض ذلك لمجرد أنهم يرفضون التطرف الديني، كما أن أطفالهم وطلابهم سيفعلون ذلك أيضا. يجب على أولياء الأمور والمدرسين من الطبقة الوسطى توخي الحذر وغرس القيم المعتدلة التعددية في أطفالهم.

خامسا: على السياسيين التوقف عن استخدام نظرية المؤامرة، وعليهم مواجهة الفساد المستشري الذي يدمر بلدانا مثل باكستان من الداخل.

سادسا: وربما هو الأهم، يجب على الشخصيات الدينية الإسلامية أن تتوقف عن الصمت، ومواجهة هذه الأفكار والمعتقدات وما هو أسوأ من ذلك؛ تمجيد من يسمون «الشهداء» الذين يقتلون الأبرياء باسم الإسلام، وهؤلاء الأبرياء غالبا ما يكونون مسلمين آخرين. يجب على القادة الدينيين المسلمين توضيح أن هذه ليست شهادة، بل هي إجرام يحاسبون عليه.

ليس الفقر والبؤس ما يخلق التطرف الديني، التطرف الديني هو الذي يخلق الفقر والبؤس والموت.

mr_alshammeri@