بندر الزهراني

كان سينالها لو كانت تباع!

السبت - 05 أكتوبر 2019

Sat - 05 Oct 2019

تسعى معظم الجامعات المحلية إلى خلق وهج إعلامي من المدح والثناء تحيط به نفسها، هكذا بسبب أو بدون، وينصب معظمه إن لم يكن كله في خانة تمجيد أنشطتها وإبراز جهود مسؤوليها بشكل أو بآخر، وهذه الحقيقة ليست مستترة بذاتها أو في رداء غيرها، بل على العكس تماما، هي واضحة وضوح الشمس، ولا أحد من المسؤولين يشعر بالخجل من ذلك، فضلا عن أن ينكره أو يرفضه، بل ربما رأوه حقا طبيعيا لهم بحكم ما جرت عليه العادة واجتمعت فيه المصلحة الخاصة! ومع أن هذا لا يحدث في الجامعات العالمية المرموقة، إلا أنه يبدو كمؤشر للجدية في عمل الجامعات السعودية.

وعلى أنني قد زرت مجموعة من الجامعات الأمريكية والبريطانية بصفة شخصية، وتصفحت العديد من مواقعها الالكترونية، وأغادرها في العادة وأنا في قمة السعادة، ودون أن أعرف من هو المدير، ولا من هو الوكيل، ولا من استقبلوا أو ودعوا، ولا حتى أجد صورا لهم أو صفحات الكترونية تتحدث عن إنجازاتهم في الجامعة. وهم لا يفعلون ذلك ليس لأنهم لا يريدون، أو أنهم يزهدون ولا يحبون الظهور، لا أبدا، الأمر ليس كذلك، ولكن لأن أعمالهم تخضع لرقابة مستمرة ومحاسبة دقيقة، فينصب كل عملهم في هذا المنحى، ويبقى ما عداه هامشا لا قيمة له، أما نحن فيحدث لدينا العكس، تغيب الرقابة ويقل الحساب إلا فيما ندر، وتكثر المجاملات والمحسوبيات، وبالتالي ينصرف العمل إلى الهوامش، وتظهر الأعمال الشخصية متصدرة للمشهد الأكاديمي بالكامل.

يقال في علم المنطق الكلاسيكي إن الكلام يكون إما صائبا يصور الحقيقة كما هي، أو خاطئا لا يصور الحقيقة بل خلافها، والفلاسفة يزيدون على هاتين الحالتين حالة ثالثة، ويسمونها «الكلام الفارغ»، وفي هذه الحالة يكون الكلام فارغا لا يصور شيئا له معنى، وقد يأتي من يزعم أن الكلام الصائب خاطئ أو أن الخاطئ صائب، ثم يدافع عن رأيه وعما يعتقده، وهذا أمر مقبول ومنطلق سليم للنقاش، ولكن الكلام الفارغ لا يمكن أن يكون منطلقا للنقاش والأخذ والرد أو القبول والرفض، وعلى رأي الفلاسفة هذا - إذا ما أخذنا به - فإن ما تعرضه الجامعات المحلية من إنجازات على حساباتها في برامج التواصل الاجتماعي أو على مواقعها الالكترونية في غالبه كلام فارغ لا معنى له.

وحتى لا أبدو قاسيا في نقدي أو يبدو كلامي فارغا، سأعطيكم مثالين على ما يصح أن نطلق عليه «كلاما فارغا» وهو يتصدر أخبار جامعاتنا: قسم علمي في إحدى الجامعات المحلية، قفز في التصنيف الدولي عام 2015م إلى المرتبة الخامسة هكذا فجأة ودون مقدمات، وأصبح متقدما على معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومتجاوزا أعرق الجامعات الأمريكية والبريطانية، ثم تقهقر إلى أن وصل هذا العام إلى المرتبة الحادية والثلاثين، ولكنه ظل متقدما على أقسام مناظرة له بجامعات مرموقة، كجامعة ميريلاند وجامعة فلوريدا وغيرها كثير.

أما المثال الثاني فهو لأحد الباحثين المحليين، قيل إنه نشر أكثر من ألفي بحث في أقل من عشر سنوات! وهذا إن قلنا - من باب الجدل - إنه لا ينام ولا يأكل ولا يشرب ولا يصلي ولا حتى يتكلم مع أهله، بل كل حركاته وسكناته ونظراته وصحواته وغفواته أبحاث علمية! لما استطاع أن ينشر ألفي بحث مصنفة ذات جودة عالية، ولكنه بأعجوبة فعل ذلك! وكان سينال ميدالية فليدز أو جائزة نوبل أو جائزة الملك فيصل العالمية لو أن هذه الجوائز تباع!

قد يكون هناك أخطاء نقع فيها بحسن نية وعن غير قصد أو بعدم وعي وإدراك منا لطبيعة هذا النوع من الأخطاء، وعلاج مثل هذه الحالات أمره هين ومقدور عليه، ولكن أن ننخدع طواعية ورغبة منا فهذا أمر في غاية الغرابة!

أتساءل كيف لجامعاتنا أن تستقطب علماء أجانب تشترط عليهم نشر أبحاث فيها ما يشير للجامعات المحلية كمرجع أو بإضافة أسماء باحثين محليين، ثم تزهو بعد ذلك بما تناله من مراكز في قوائم التصنيف الدولي في كل عام! وهي أكثر العارفين أن زهوها هذا إنما هو كلام فارغ لا يصور واقعا ولا ينقل حقيقة! إن مثل هذا السلوك المؤسسي إن سكتنا عنه سيكون عقبة كؤودا في وجه تحقيق تطلعات القيادة في المشروعات الوطنية وتنمية الطاقات البشرية.

@drbmaz