العريفي دلال

فإن من بدأ المأساة ينهيها!

الجمعة - 04 أكتوبر 2019

Fri - 04 Oct 2019

يحدث أن تمر بك بعض المبادئ العجيبة التي لا يمكن أن تستوعبها ولو حاولت، ولا تستطيع أن تغيرها مهما اجتهدت وجربت. والحقيقة أني لست متأكدة إن كان أهلها يعتبرونها مبادئ أو لا، لكن ما أراه يجعلني أعتقد أنها كذلك بالنسبة لهم.

في بعض المؤسسات أعتقد أن ما كتب في العنوان صار مبدأ يعمل به ويطبق ضمن السياسات الإدارية للمؤسسة، فمهما تغيرت الإدارة والمديرون، ولو على أعلى المستويات، إلا أن المشكلات القديمة تبقى حاضرة، والدهاليز المظلمة لا تزداد إلا انغلاقا، والقضايا العالقة لا تجد من يخلصها أو ينهيها، وكأن الإدارة الجديدة تتمسك بالمبدأ المذكور، فتتبرأ من كل ما خلفه الماضي من مشكلات وقضايا. فبمجرد أن تتولى زمام القيادة، نجد أن الرئيس يبذل كل ما في وسعه للتجديد والتطوير وإضافة إنجازات جديدة في مؤسسته تحسب له ولعصره، لكنه يتعامى تماما عن كل المشكلات التي تطوق عنق مؤسسته أو حتى وزارته.

يدرك الجميع أن هناك بعض المؤسسات، وقليلا من الوزارات، لا زالت تثقل المشكلات كاهلها، وتكاد قضاياها المتعددة تخنقها خنقا، ومهما تغير المسؤول الأول بها إلا أن المشكلات تبقى صامدة كتماثيل أثرية قضى كل الذين أنشؤوها وبقيت هي.

قضاياها الأساسية الحاضرة لم تعالج، والملفات العالقة لا زالت مفتوحة، وكل تلك المشكلات لم تعد إلا هاجسا يشغل عقول كثير ممن يدور في فلكها، ويتلظى بلهيبها من العاملين بها، والمتعاملين معها، يتألمون كثيرا حينما يأتي مسؤول ويغادر آخر وقضاياهم ثابتة.

أتعاطف وأتفهم وأقدر كثيرا حجم التركة التي يرثها الوزير في وزارته، والمسؤول في مؤسسته، لكني لا أفهم كيف تترك هذه القضايا دون علاج، وتلك المشكلات دون حلول! وفي الوقت نفسه يُقدَم المشروع تلو المشروع مما ليس له علاقة بتلك القضايا!

فلكل وزارة أقول:

عزيزتي الوزارة، أخبريهم أن كل القضايا الموروثة مسؤولياتهم، وجميع المشكلات العالقة من واجبهم معالجتها، وإن لم يتسببوا في حدوثها.

أعتقد - وأتوقع أنكم تتفقون معي - أنه من غير المقبول ولا المعقول ولا المنطقي أن أعلق لوحة فنية باذخة الجمال، على جدار يريد أن ينقض في أحد المباني المتصدعة جدرانها، والمتحطمة أساساتها، وأنا أعلم يقينا أنها لن تستطيع أن تحمي البنيان أو تدفع خطر الانهيارات ولو حاولت. ولن يسامحني أحد حين أترك تلك الجدران تزداد تصدعا، ثم لا أساهم في ترميم أو علاج لمجرد أنني لم أتسبب في حدوثها. ولن يغفر الضمير مهما طال الزمان حين أتأمل لوحتي، ثم لا أكف عن الترديد: فإن من بدأ المأساة ينهيها، وإن من أشعل النيران يطفيها.

darifi_@