عبدالله المزهر

أغرق فرعون لتنجو!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 18 سبتمبر 2019

Wed - 18 Sep 2019

أشعر بالأسى على نفسي، لأني لم أصبح عالما جهبذا كبقية سكان هذا الكوكب، وحين أطلع على بعض الآراء والتغريدات والمقالات بل وحتى الكتب التي ينشرها من كنت أظن أنهم من عامة الناس أمثالي أشعر أني لبثت في كهف الجهل سنين عددا، وخرجت والناس كلهم علماء ومفكرون، وبقيت وحدي أمثل العامة والدهماء. لا أخفيكم أن هذا الأمر آلمني قليلا، وعادت بي الذاكرة إلى أول يوم جربت فيه طعم الفشل وكان في اختبار رخصة القيادة، لم أكن أسفا على فشلي وحزينا على نفسي، ولكني كنت حاقدا على جميع الذين اجتازوا الاختبار في ذلك اليوم المشؤوم. هذا ما أشعر به الآن مع قليل من التغيير الذي يتلاءم مع المرحلة.

ومن باب الاستطراد أقول إن ذلك الفشل كان لقاحا عظيما ومن يومها وأنا أتنقل من فشل إلى فشل دون أي إحساس بالأسى ولا بالحقد على أحد ولا أي إحساس من أي نوع، وهذا ما يجعلني أستغرب عودة هذه المشاعر مجددا.

كنت مقتنعا بجهلي لأني مؤمن أن هذا حال الأغلبية، لكني صدمت حين اكتشفت أن العالم بات ينقسم إلى فسطاطين، فسطاط العلماء المفكرين، وفسطاط الجهلة، ثم إن الإحباط تمكن مني حين علمت أني وحدي في الفسطاط الثاني.

ومشكلة علماء هذا العصر ـ أعني السواد الأعظم من سكان الكوكب ـ أنهم مؤمنون بشكل مباشر أو غير مباشر بأن ما كل ما يقولونه صواب، الفكرة المخالفة جريمة ولا يقبلون رأيا حتى من بعضهم ناهيك عن أن يقبلوا فكرة تأتيهم من الفسطاط الآخر.

كثيرون ممن قرأ قصة موسى وفرعون وهي الأكثر تكرارا في القرآن الكريم نظروا إليها من باب الحاكم المتسلط المستبد والثائر الذي أراد إزالة ملكه، مع أن موسى لم يقل إنه بعث من أجل تغيير نظام الحكم ولا من أجل إرادة الشعب، ولم يكن يحمل مشروعا سياسيا ولا أعتقد أنه كان مهتما بالطريقة التي يحكم بها فرعون. كانت الفكرة هي إزالة «الفرعنة» نفسها من عقل فرعون ومن عقول الناس أيضا، لا إزالة فرعون بشخصه. وهذه الغاية لم تنته بغرق فرعون، ولا أظن أنه وحده الغاية من تكرار هذه القصة، فالطاغية أو الفرعون المستبد ليس بالضرورة أن يكون حاكما أو زعيما أو قائدا سياسيا، في داخل الكثير من العامة أمثالي فرعون صغير مستبد مؤمن بأنه وحده من يعرف «سبيل الرشاد» ويقاتل باستماتة من أجل فكرة «ما أريكم إلا ما أرى».

حين تشعر أن الفكرة التي تخطر في ذهنك هي الصواب الوحيد، وأن كل مخالف لها إما جاهل أو عدو أو خائن، فتأكد أن بداخلك فرعون صغيرا بجيشه يدير شؤون تفكيرك، ويرسم لك طريقك.

وعلى أي حال..

حين تراودك أحلام مثل أحلامي بأن تصبح عالما مفكرا فإن المهم ليس أن تعرف نفسك للآخرين بأنك «مفكر»، المهم يا صديقي هو أن تغرق فرعونك الصغير ومن معه جميعا، وستجد أن طريق المعرفة أصبح أكثر سهولة. لأن فرعون ليس أكثر من أيقونة لرفض المعرفة، وكراهية التغيير، والتمسك بالأفكار المؤدية إلى الهلاك الحتمي مهما بدت قوية ومتماسكة ومخيفة.

agrni@