العالمية في البحث والابتكار!

الأربعاء - 18 سبتمبر 2019

Wed - 18 Sep 2019

كتبت مرة مقالا عن خطورة تطابق البرامج والأنشطة الأكاديمية في الجامعات السعودية واستنساخها من بعضها البعض، وأن في هذا التكرار المتعمد مضيعة للجهد وهدرا للأموال، وإلغاء للتميز والإبداع والابتكار، ولامني على ذلك بعض الزملاء على اعتبار أن كل البرامج الموجودة في الجامعات هي برامج أساسية ولا يمكن الاستغناء عنها، وأن هناك منظومة من الأعمال والأنشطة تتم في اتساق وتواؤم مع مثيلاتها داخل الجامعة وخارجها، وزاد البعض على ذلك أنه قد يتعدى الأمر إلى محاكاة أفضل الممارسات العالمية، ومثل هذا الكلام جميل في مبناه ورائع في معناه لو أنه واقع ملموس! بل وكنت سأصدق من يقول به وأقتنع بواقعيته لو لم أكن في ساحة المعمعة!

قبل أيام أطلقت وزارة التعليم ورشة عمل تحت عنوان «استراتيجيات وتوجهات وكالة البحث والابتكار»، وكما يبدو لي فإن الكلمات التي ألقيت ومحاور اللقاء التي طرحت ونوقشت رائعة وممتازة جدا، وتبشر بكثير من الخير، إلا أن النجاح في تحقيقها مرتبط بنجاح جوانب إدارية مهمة وملازمة للبحث والابتكار كملازمة الظل لصاحبه، فعلى سبيل المثال لا يمكن أن تتحدث عن توطين البحث العلمي وأنت تعطي الجامعات الحرية التامة والدعم المالي الكامل في تبني برامج بحثية يتم الاعتماد فيها على باحثين دوليين، فقط للحفاظ على مواقع الجامعات المحلية ضمن قوائم التصنيف الدولي للجامعات! ولا يمكن أن تصنع باحثا ومبتكرا هكذا بين عشية وضحاها أو بمجرد تعيينه على وظيفة باحث! دون أن تخلق له جوا كاملا من العوامل الفاعلة التي تجعل منه باحثا له قيمته الاعتبارية والمعنوية.

وأعتقد أننا سنتحرك قدما في مسألة تطوير البحث العلمي والإبداع والابتكار بشكل سريع وملحوظ، ويتوافق مع ما نطمح إليه من مكانة دولية مرموقة، ويتوازى كيفا وكما مع المشروعات العملاقة للدولة؛ لو أننا نقوم بإعادة تصنيف الوظائف الأكاديمية في الجامعات بطريقة ما، بحيث يصبح لدينا أستاذ جامعي بدرجة مفكر، وآخر بدرجة مدرس، وثالث بدرجة باحث وهكذا، ونجعل لكل نوع من هذه الدرجات سلما وظيفيا جديدا بمزايا وبدلات مختلفة، ثم بعد ذلك نخضع هذه التجربة برمتها للدراسة والتقييم، ونتلمس في ثناياها الإنجاز التشاركي والنجاح الكلي، ونتطور معها ومن خلالها مرحليا ونوعيا، نحن بأنفسنا لا باستقطاب العقول الوافدة أو دعم الطاقات الأجنبية.

أتذكر أنه في وقت سابق سعت وزارة التعليم إلى إعادة تعريف الجامعات من خلال تصنيفها، وكان ذلك في مسودة نظام الجامعات الجديد، حيث ورد في بعض بنوده ما يصنف الجامعات إلى جامعات بحثية وأخرى تطبيقية، والسيطرة على البرامج العلمية وأبحاث الدراسات العليا بشكل يخدم غرض التصنيف هذا، وإن كانت هذه الفكرة فكرة نوعية وجيدة في جوهرها، وتؤكد رغبة المسؤولين الصادقة في إحداث تغيير جذري ذي معنى وقيمة، ويخلق الأجواء التي من شأنها تكوين الباحثين، ولكن نجاحها كان سيكون إما بطيئا أو محفوفا بمخاطر الفشل، عكس ما لو كان التصنيف للأساتذة أنفسهم!

وقد يقول قائل إن مثل هذا النوع من التصنيف للأساتذة لا يطبق ولا يعمل به في الجامعات العالمية، وهذا صحيح، ولكن لا أظن أن هناك إشكالية في تطبيقه واتخاذه منهجا للوصول للعالمية! طالما أننا نعمل بما يخدم أغراضنا ويحقق أهدافنا، وطالما أننا قادرون على التغيير وعازمون على التطوير، سواء في البحث العلمي والعمل الجامعي أو في غيره من المشروعات التطويرية، فلن يساورني الشك أبدا أن العملية التعلمية والحركة البحثية ستتغيران إلى الأحسن، وستعززان لدى الباحثين السعوديين فرص الظهور والتميز محليا وعالميا، وربما بهكذا عزيمة وإصرار نستطيع كسر شبح تلكم المقولة الساخرة «العالمية صعبة قوية»، ولم لا!

drbmaz@