فارس الهمزاني

قاهر الفساد!

الاثنين - 16 سبتمبر 2019

Mon - 16 Sep 2019

عندما شبه الفساد بالسرطان فهو وصف دقيق لهذه المعضلة، فالمرض الخبيث الذي يبدأ غامضا صامتا في جسم الإنسان وبسرعة عجيبة ينتشر ولا يمكن التحكم أو السيطرة عليه، وقد يستجيب أحيانا للعلاج وغالبا ما يباغت صاحبه عندما يجد أن المناعة ضعيفة!

ضربة موجعة وجهها قاهر الفساد الملك سلمان بن عبدالعزيز بعد حملة من القرارات المناعية التي أصدرها مطلع العام الهجري الجديد، تؤكد عزم قائد البلاد على محاصرة الفساد واقتلاعه من جذوره ومعاقبة المفسدين الذين ينهبون خيرات الدولة دون وجه حق، في وقت عندما كان الفاسد يمارس فساده تحايلا على النظام كإحدى المهام الوظيفية في ظل غياب الذمة وخيانة الأمانة وطعن الوطن غدرا في خاصرته.

جاء القرار في وقت مهم جدا لأهم جهاز في الحكومة يتولى الرقابة المالية في الإدارات الحكومية، وذلك بتحويله من المهمة الرقابية (الديوان العام للمراقبة) التي انحصرت مهامه في تقديم التقارير السنوية عن الهدر المالي إلى مهمة المحاسبة (الديوان العام للمحاسبة)، ففي تقرير ديوان المراقبة العامة لعام 1438 وصلت المبالغ التي تم تحصيلها من الجهات الحكومية إلى نحو تسعة مليارات ريال تم إيداعها في الخزينة العامة، وهذا مبلغ ضخم جدا، ولكن السؤال المهم: لماذا عادت هذه المبالغ ولم تستغل في الهدف المنشود منه في الأساس؟! هل هناك خلل في التخطيط أم التنفيذ أم ماذا؟ وهنا يأتي دور المحاسبة.

يتذكر السعوديون الرابع من نوفمبر 2017 كونه أشهر يوم في تاريخ محاربة الفساد في السعودية، بما يسمى «حملة الريتزكارلتون» عندما طالت المحاسبة قطاعا واسعا من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال السعوديين. عملا بمقولة لي كوان يو رئيس وزراء سنغافورة الأسبق «تنظيف الفساد مثل تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى إلى الأسفل»، ومنذ ذلك التاريخ والرعب يحيط بالفاسدين كبارا وصغارا. وهذا يؤكد إصرار الدولة على متابعة ورصد المفسدين عبر تعيين رئيس جديد للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والذي تنتظره ملفات عدة.

الجميل في الأوامر الملكية أنها مررت رسالة في غاية الأهمية للوزراء والجهات المعنية، بأن من لم تثبت إدارته وكفاءته للعمل فالتغيير قادم، وهذا بحد ذاته مؤشر طيب يبث الطمأنينة والأمان، فالبعض يظن أنه مستمر في المنصب لسنوات عديدة منذ صدور القرار، وللأسف تشكلت هذه الصورة الذهنية التي كانت قائمة منذ عقود إلى أن جاء قاهر الفساد.

لقد شاهدنا مثلا حزمة قرارات التغيير المفاجئة في وزارة التعليم عندما قرر وزير التعليم إعفاء شخصيات قيادية دون أن تكتمل مدتهم، في خطوة شجاعة تحسب للوزير وتؤكد أن البقاء للأفضل. في ظني أن رسالة الوزير أشعرت المسؤولين الحاليين في التعليم بالحذر، وللمتقاعسين في أدائهم بأن الإعفاء قد يحدث في أي لحظة، وفي الوقت نفسه تحفيز المتميزين بأن الدعم والتشجيع وربما المناصب القيادية الكبرى تنتظرهم!

يشعر المواطن السعودي بالرضا التام من جميع القرارات التي تهتم بمعاقبة وملاحقة المفسدين، خاصة عندما تأتي من رأس الهرم، والتي تدل على الرغبة الجادة ليس فقط في التقليل من الفساد، بل محاولة القضاء عليه بغض النظر عن كون المسؤول أميرا أو وزيرا أو مواطنا عاديا، ففي عهد سلمان بن عبدالعزيز يتساوى الجميع عندما يكون الموضوع حول الفساد.

@faresalhammzani