محي عبدالله القرني

فرخ جان في مقلاة شيلة

السبت - 07 سبتمبر 2019

Sat - 07 Sep 2019

صناعة الموت والافتخار بطريقة التنفيذ والتراقص طربا على ذكرى المجازر التي صاغتها الأساطير وتوارثتها الأجيال عن طريق كبسولات يتم توزيعها بعد وجبة عشاء فاخرة، ليحلو السهر مع القصص التي اختلط فيها قليل من الحقيقة مع كثبان المبالغة وزبد القول، سحائب المواقف الماضية تمطر في المجالس من ذاكرة الفخر بالقبيلة والاعتزاز المتشنج بغير وعي بمدى خطرها وما تنفثه سمومها لتعطيل ثقافة الاندماج والتعايش والانصهار في قالب واحد.

من المؤسف أن تعود العجلة إلى الخلف ويطفئ العاقل المصباح من أجل العثور على الإبرة الرفيعة وسط أكوام القش في ليلة مظلمة. وصلت الرسالة واضحة جلية منذ 14 قرنا، قال تعالى «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وقوله «والله لا يحب كل مختال فخور». وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية». وكثير من المواقع والمشاهد في الكتاب والسنة تحذر كل الحذر من دواعي الجاهلية.

انقضت القرون ولا زال لكل واد ناعق، ففي زمن الانفجار المعرفي فتحت قنوات نفخ الرماد لتصنع من الدمى تاريخا ومن العلب المستلقية تحت حائط الجهل شواهد على الماضي.

أنجبت هذه القنوات رابطة شعراء الكلام المجعد وفرخت هذه الرابطة الشيلات الحماسية المسعورة بدءا من الافتخار بالأنساب بدون رادع أو توجيه أو تصنيف واع لتخفيف وطأة الجان الراقص في مقلاة شيلة.

يتحدث العارفون دائما عن عواقب الكلام ويتجاهلون مساوئ الصمت، ومن نتائج الصمت عن حمّى التفاخر وسرد الأقاويل وزراعة أشواك الكراهية داخل حقول الجماجم البيضاء هو ما وصل بنا الحال اليوم إليه من انتقاص الآخر إما تصريحا أو تلميحا، وزيادة معدل الاعتداء حتى تجاوز حدود اللسان إلى إراقة الدماء ثم تطبخ بعدها شيلات الفزعة والحمية بغرض دفع الملايين المبالغ فيها، لسداد فواتير الدية من غير التفكير بما فعلته يد العبث من إزهاق للنفس وتشتيت للأسر وضياع يتيم كان يرى مستقبله في وجه أبيه.

الحياة بنيت على الاتزان وعقل الإنسان من أعظم ما خلق، فليس عدلا أن ترى عقل الحكيم والجاهل في القاع حطب تنور.