عبدالله زايد

قراءة خاطئة للمستقبل

الجمعة - 06 سبتمبر 2019

Fri - 06 Sep 2019

في عام 2012 أعلنت شركة كوداك المتخصصة في إنتاج معدات التصوير ومواده إفلاسها. الشركة التي تربعت نحو 133 عاما على هرم صناعة التصوير في العالم توقفت بشكل مرير يحمل كثيرا من الدروس للعالم بأسره، ويوضح قوة التغيير الذي يحدث في عصرنا الراهن. تأسست الشركة عام 1892، وبدأت ملامح تدهورها مبكرا منذ عام 1981م مع بداية دخول الكاميرا الرقمية، ولكن مسؤولي كوداك قالوا بأنه لن يكون للتصوير الرقمي مستقبل ولن يقبل الجمهور عليه، وتم تجاهل النمو في مجال التصوير الرقمي حتى عام 2003 عندما بدأت كوداك تدرك فداحة الخطأ في تأخرها في اللحاق بثورة التقنيات الحديثة، وغيرت استراتيجيتها وظلت تكافح للبقاء وليس للمنافسة حتى عام 2012 عندما أعلنت إفلاسها.

الذي حدث ببساطة متناهية أن مسؤولي كوداك لم يستطيعوا التخلي عن إرث أكثر من مئة عام وظلوا متمسكين به حتى جاء تيار التقنيات الحديثة وجرفها وألغى وجودها، ليست كوداك وحدها من ذهبت وتلاشت بسبب قراءة خاطة للمستقبل والتطور، بل هناك شركات أخرى كبرى اختفت في لمح البصر، ولا توجد مبالغة عند القول إن هناك عددا من دول العالم هي أيضا تأثرت اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا لأنها لم تستوعب أو تفهم ماذا يعني المستقبل والاستعداد له. اليوم نشاهد السيناريو نفسه يتكرر في مجالات ومواضيع عدة، فالتطور شامل ودخول التقنيات الحديثة عام وواسع.

من المجالات الحيوية التي نلمس ملامح للتغير فيها صناعة الورق وما تضمه هذه الصناعة من صناعات متعددة ومتنوعة، ما يهم في هذا السياق صناعة الكتاب الورقي الذي يعاني من ضغوط منذ القدم حتى يومنا هذا، لكن في هذا العصر التهديد هو تهديد وجود وتهديد مكان، مكتبات عريقة أقفلت، وكتب تباع بثمن بخس والبعض منها يوزع مجانا، ورغم أن القراء انتقائيون ومحدودون إلا أنهم اليوم يفرون نحو الكتب الالكترونية التي في مجملها مقرصنة ومنتهكة الحقوق، ويتوقع أن تزداد هذه الفجوة بين نشر الكتاب الورقي وتطور التقنيات الحديثة، وكما هو واضح فإن الخاسر هو الكتاب الورقي.

الورق جزء من حياتنا اليومية ولا يمكن تصور العالم دون استخداماته المتعددة، فقد أحدث ثورة حقيقية لا يمكن تخيلها في مسيرة البشرية، ولا يمكن قياس تلك الفوائد العظيمة التي قدمها، لكننا في هذا العصر تحديدا نشاهد ملامح واضحة آخذة في النمو تنبئ بأن هذه الحقبة الورقية من عمر البشرية قد أزف توقفها وحان وداعها، وتماما ككل مخترع يجري تطويره، فإن الورق اليوم تجري إزاحته عن الصدارة ومن واجهة الأحداث، وينقل إلى التاريخ، وإن كانت هذه العملية تجري ببطء، فهذا لا يعني عدم حدوثها.

إنها لمفارقة غريبة تلك التي نكتب فيها نعي الورق على صفحات من الورق، إلا أنه لا سبيل إلا إلى الإصغاء لصوت المستقبل، والعمل على البدائل وتطوير الحضور الرقمي وتحقيق الريادة والتميز في هذا الميدان الواعد القادم.

abdullahzayed@