أحمد الهلالي

البقمية فتح جديد للرؤية المباركة!

السبت - 31 أغسطس 2019

Sat - 31 Aug 2019

يعتبر التعليم من أهم عوامل تشكيل شخصية الفرد، وشخصية المجتمع، والمادة التي تتضمنها مناهج التعليم هي الوجبة الرئيسية لعقل الطالب منذ سني دراسته الأولى، ولعلي لا أبالغ إن تحدثت عن اهتمام مناهجنا القديمة بالماضي، وتقديمه إلى أبنائنا عبر مواد التاريخ والمواد الدينية والقراءة والنصوص وغيرها، بصورة تجعل ذلك الماضي منبعا أساسيا للتفكير، وتشد الدارس إليه بكيفية تقصيه عن الواقع حتى ينشأ الغرام بين الدارس وذلك الماضي البراق، الغرام الذي أفرز جفاء لواقعنا وعصرنا، فظهرت أصوات عالية تشدنا إلى الماضي، بلغ بعضها (الفعل المسلح) عبر الحركات الإرهابية!

اليوم، من خلال ما يتسرب من المناهج التي لم أطلع عليها بعد، هناك بشارات بانعتاقنا من تلك النظرة الرجعوية، ولعل أهم ما رشح إلى معلوماتي إبراز المرأة العربية ودورها البطولي، فلم نكن نعرف عن بطولات المرأة العربية في مناهجنا عدا قصة خولة بنت الأزور رضي الله عنها، فجاء منهج التاريخ للصف السادس هذا العام بشخصية الأميرة غالية البقمية البطلة العربية التي قادت الجيش بعد وفاة زوجها الأمير، واستطاعت صد الغزو التركي المصري بقيادة طوسون لبلدة تُربة آنذاك، ولعل هذا الإدراج من المبشرات بإظهار شخصية المرأة في جزيرتنا العربية في الأدب والحكمة والبطولة والوفاء ومكارم الأخلاق بعد أن غاب زمنا طويلا.

ومن المبشرات أن منهج التاريخ أيضا يفتح الذهنية في هذه المرحلة على إعادة النظر في مصطلح (الخلافة)، فهذا المصطلح الذي كان يعرض بكيفية براقة في مناهجنا، تسبب في ويلات لأمتنا العربية قديما وحديثا، فكل المناهج والمنابر تمجد (الخلافة) وتدعو إلى عودتها، وأن حال الأمة لن ينصلح إلا بذلك، مع أن المدقق في تاريخها يجد انقطاعها بعد الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ وكل حكام المسلمين بعده كانوا ملوكا أخذوا الحكم بالسيف، وتوارثوه كابرا عن كابر، ودال إلى غيرهم حتى وصل الأتراك العثمانيين الذين هيمنوا على العالم العربي، وعاش العرب أتعس مراحل حياتهم جوعا وجهلا.

حين نما إلى علمي أن دارة الملك عبدالعزيز بتكليف من وزارة التعليم صممت مناهج الدراسات الاجتماعية (التاريخ والجغرافيا) استبشرت خيرا، فهي المؤسسة الوطنية التي تملك كل المعلومات في هذا الحقل المهم، وفي اتصال بيني وبين الأستاذ عبدالرحمن السلوم في دارة الملك عبدالعزيز، علمت منه أن جهدا كبيرا بذلته الدارة في تصميم محتوى المناهج الجديدة، وفي عرض المحتوى للدارسين، سواء على الكتاب الورقي بطرائق المعلومات المنظمة والمركزة باستخدام الخرائط الذهنية، أو على الأجهزة اللوحية التي تتجه وزارة التعليم إلى اعتماد الدارسين عليها تماشيا مع رؤية المملكة 2030، ومجاراة لعصرنا التقني بامتياز، كذلك اتجاهات المحتوى الذي يضع الدارس في تصور واقعه الحقيقي، فمن العبث أن يتعلم الدارس شيئا لا يجده في واقعه.

أشكر وزارة التعليم ودارة الملك عبدالعزيز على هذا التوجه الصائب الذي يضع مصلحة الوطن إنسانا ومكانا نصب عينيه، ويتخذ الواقع مرتكزا ومنطلقا حقيقيا إلى الماضي وإلى المستقبل، كما أنه لا يختزل الماضي في جنس أو في أيقونات محددة أو حقب معينة، ويتجاهل ما عداها، ولا يدفع إلى المستقبل بعيدا عن استلهام الهوية الحقيقية للأرض والإنسان، وهذا في رأيي هو التحديث الحقيقي الذي نحتاجه بشدة.

ahmad_ helali@