موفق النويصر

فقاقيع السوشال ميديا

السبت - 24 أغسطس 2019

Sat - 24 Aug 2019

كتب برجس البرجس الخميس الماضي مقالا في هذه الصحيفة بعنوان «نجوم السوشال ميديا في موسم الحج»، تغزل فيه بمجموعة ممن يطلق عليهم في مواقع التواصل الاجتماعي «المؤثرين»، مرجعا لهم الفضل في نقل الصورة الحقيقية للمملكة، ومتجاهلا كل الجهود التي بذلتها المراكز الإعلامية بالوزارات والصحف الورقية والالكترونية والتلفزيونات والمشاركات العفوية لغير المتخصصين.

وعلى الرغم من قناعتي الشخصية بأن المقال حمل العديد من المغالطات، إلا أنني وافقت على نشره لإيماني بحرية الاختلاف في الرأي.

ولمعرفة أسباب اختلافي مع هذا الرأي، أعيدكم إلى الاستفتاء الذي طرحه الكاتب نفسه في 14 أغسطس 2019 على حسابه الخاص في تويتر وشارك فيه 13,611 شخصا، عندما تساءل عن الوسيلة (الأكثر فعالية) التي ساهمت بنقل تفاصيل موسم الحج؟ وقدم لها 4 إجابات، جاءت نتائجها على نحو: وسائل التواصل الاجتماعي 82%، القنوات التلفزيونية 13%، الصحف الورقية 3%، الصحف الالكترونية 2%.

ورغم صحة ما آلت إليه نتيجة الاستفتاء، إلا أنني بعثت له رسالة اعتراض على السؤال المطروح والخيارات المعروضة، كونهما مضللين. فمن غير المقبول طرح سؤال عن وسائل إعلامية مختلفة في ملعب إحداها، لأن الإجابة ستذهب تلقائيا لصاحبة الأرض والجمهور.

وإن أصر على طرح السؤال في تويتر فيجب أن يكون «ما هي الوسيلة الأكثر تغذية للسوشال ميديا وساهمت بنقل تفاصيل موسم الحج؟»، ومن ثم وضع الخيارات المتاحة كـ «المؤثرين» و«غير المؤثرين» و«التلفزيون» و«الصحف الورقية» و«الصحف الالكترونية» و«الجهات الحكومية»، والتي غذت جميعها مواقع التواصل الاجتماعي.

فكان رده «هذا الاستبيان يمكن أن يكتب بعدة طرق، ويعطي نتائج ربما تكون مختلفة، فالشريحة الأكبر (المتلقي) لا يعنيهم ما يحدث من تغذية وغيرها، وأعتقد أيضا أن التغذية الكبيرة أتت مباشرة من الجهات المعنية للمغرد والمسنب والمصور وأيضا للصحف والقنوات».

شخصيا كنت سأقبل بهذا الرد لو أنه اكتفى بالاستفتاء ولم يردفه بالمقال الذي نسب فيه كل النجاح الذي تحقق للفئة التي ينتمي إليها، وكنت سأثمن قوله لو أنه قدم لنا - وهو الاقتصادي اللامع - إحصائية لعدد المشاركات التي ظهرت في موسم الحج على السوشال ميديا لكل المشاركين، والتأثير الذي أحدثته لدى المتلقي، حتى يكون الحكم حقيقيا وليس تقديريا، كما هو الحال هنا.

نأتي لمعضلة الخلط بين مفهوم «صناعة المحتوى» و«نقل المحتوى» التي يقع فيها كثيرون ممن اقتحموا الوسط الإعلامي من بوابة «عدد المتابعين» دون معرفة حقيقية لأدواته، والذي ظهر جليا في مقال البرجس أكثر من مرة عندما تحدث عن صناعة المحتوى للمشاهير واستشهد بما نقلوه من محتوى! يا عزيزي عندما يرافق من يسمي نفسه «مؤثرا» فرقة لوزارة التجارة وهي تضبط معملا لإعادة إنتاج زيوت المركبات أو المنظفات، أو يتواجد مع الدوريات الأمنية خلال إلقائها القبض على متسولين في أوكارهم، فهذا ليس صناعة محتوى.

وعندما يضع «مسنب» تعليقا أو شرحا على محتوى قدمته جهة حكومية أو صحيفة بعد إزالة شعارها عنه، فهذا أيضا ليس صناعة محتوى.

وعندما يقف أحدهم أمام مشروع ما، ويتحدث عنه وفق نص مكتوب في إدارة العلاقات العامة للجهة نفسها، فهذا كذلك ليس صناعة محتوى.

وهنا يأتي الفرق بين من يعرف ماهية الصحافة وأخلاقياتها التي تفرض على من يمارسها الموثوقية والموضوعية والاستقلالية، وهي أمور يقاتل من أجلها الصحفي الحقيقي، وبين من يدعي المعرفة بلا معرفة، تحت ذريعة «الانتشار» في زمن لا يؤمن سوى بـ «التأثير».

فهل سمعنا يوما بوكالات عالمية نقلت أو ترجمت أو أعادت نشر قصص قام أحد أصحاب الحسابات الاجتماعية بنشرها؟ أو قصة أنتجها أحدهم ولم يصنعها من قبل صحفي حقيقي ويحتفظ بها «قوقل» في أرشيفه العالمي؟ الأكيد أنه لا يمكن لمحتوى باللهجة العامية عبر «سنابات» لحظية ليس لها مرجعية توثيقية أو في أقصاها بيانات حكومية تفتقر لرائحة العمل الصحفي أن يكون عملا مؤثرا. ومن أراد الاطلاع على عينة من هذا الغثاء، أنصحه بمشاهدة تغريدات مرافقي أمين عام رابطة العالم الإسلامي في قمة سلام الأديان بسريلانكا قبل أيام.

بدوري أقترح على العزيز برجس طالما أنه يرى في «سنابات» و«تغريدات» تفتقر لمعايير التصنيف الإعلامي، أنها يمكنها أن تنقل صورة الحدث للعالم بكل هذه السهولة التي يتخيلها؛ أن يتقدم لوزارة الإعلام بطلب أن يتولى مشاهير السوشال ميديا مسؤولية نقل موسم الحج العام المقبل، بدلا من صرفها ملايين الريالات على إنشاء مراكز إعلامية واستضافة مئات الصحفيين ووكالات الأنباء والقنوات الفضائية من مختلف دول العالم لتغطية موسم الحج.

أخيرا، لست ضد من يقدم عملا يعود نفعه على المجتمع، ولكن إن أردنا التفكير في مستقبل «صناعة الإعلام السعودي» فيجب علينا الاستثمار في منصاتنا المؤسسية، وعدم الانسياق خلف من يحاول إيهامنا بأن السوشال ميديا «وسائل إعلام»، بينما هي مجرد «وسائل اتصال»، يمكن أن تجد فيها كل بضائع الناس من «خطب ودروس دينية» إلى «مشاهد لأماكن سياحية» أو حتى «صور ومقاطع غير أخلاقية». فهل اتضحت الصورة أم إن الأمر ما زال يحتاج لتأكيد بأن فقاقيع السوشال ميديا لا يصنعون إعلاما ولا يقدمون معرفة؟!