وثائق تكشف خداع إسرائيل النووي للعالم

الأربعاء - 14 أغسطس 2019

Wed - 14 Aug 2019

فتح النشاط النووي الإيراني الأخير، وحالة القلق التي تعيشها المنطقة، عيون العالم على عديد من المخاطر التي تحيط بالمنطقة.

ورفعت الولايات المتحدة الأمريكية النقاب عن مجموعة وثائق سرية عبر أرشيف الأمن القومي ومركز دراسات الانتشار التابع لمعهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري، توضح بالتفصيل اكتشاف المشروع النووي الإسرائيلي السري الذي سمي بمفاعل ديمونا الذي خدع به الكيان المحتل العالم كله.

سلطت الوثائق الضوء على فشل استخباراتي بارز، وكيف أخطأت واشنطن علامات التحذير من أن الإسرائيليين لديهم مشروع نووي، وأدركت ذلك متأخرا، ليأتي رد الفعل ناعما بسبب انتهاء ولاية الرئيس أيزنهاور واللوبي الإسرائيلي الكبير المنتشر داخل واشنطن.

تفاصيل مثيرة تكشف للمرة الأولى عن الخداع الإسرائيلي للعالم وعن مفاعل ديمونا.

الوقت غير المناسب

جاء الاكتشاف في الوقت الذي كانت فيه رئاسة دوايت أيزنهاور تقترب من نهايتها، وتسبب في تخوف في واشنطن من خلال إثارة القلق بشأن الاستقرار الإقليمي والانتشار النووي، لكنه تسبب أيضا في الانزعاج لأن المسؤولين الإسرائيليين على جميع المستويات قدموا مرارا وتكرارا إجابات موثوقة عن أسئلة الولايات المتحدة حول ديمونا.

وفي سبتمبر 1960، عندما سأل مسؤولو السفارة عن موقع بناء جديد عندما كانوا على متن طائرة هليكوبتر في مكان قريب، قام المسؤول الإسرائيلي آدي كوهين، بتصوير قصة للحفاظ على السر: كان موقع مصنع الغزل والنسيج، قال: قصة لم تكن خاطئة بالكامل بسبب وجود مصنع للنسيج بالقرب من ديمونا.

الوثائق الاستخباراتية

  • الاتفاقية السرية بين إسرائيل والنرويج في يونيو 1959 والتي تنص على بيع المياه الثقيلة النرويجية إلى إسرائيل عبر المملكة المتحدة.

  • تقارير حول معلومات من مصدر سري في ذلك الوقت «أستاذ الهندسة النووية بجامعة ميشيجان هنري جومبرج» الذي علم أن الإسرائيليين لديهم مشروع سري للمفاعل النووي تضمن تجارب البلوتونيوم.

  • برقية من السفارة الأمريكية في تل أبيب تقدم تقريرا عن تصريح المسؤول في وزارة المالية آدي كوهين مفاده «لقد تصرفنا بسوء»، وواحد من جانب مسؤول مجهول قريب من رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون مفاده بأن السرية المحيطة بديمونا غير مبررة وأنه كان «خطأ غبيا من جانب إسرائيل».

  • تقارير السفير الأمريكي أوجدين ريد حول المحادثات مع بن غوريون.

  • رسالة من وزارة الخارجية إلى السفارة في تل أبيب تنقل غضبا من أن ردود فعل الحكومة الإسرائيلية أظهرت «نقصا في الصراحة».

  • رسائل حول دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تفتيش وحماية ديمونا.




كيف اكتشف أيزنهاور ديمونا؟

مارس 1958 - يناير 1961

في الأشهر الأخيرة من 1960 عندما اقتربت رئاسة دوايت أيزنهاور من نهايتها، اكتشفت الحكومة الأمريكية أن إسرائيل بمساعدة فرنسية كانت تبني مفاعلا نوويا سريا بالقرب من ديمونا في صحراء النقب يمكن أن يمنح إسرائيل سلاحا نوويا.

وتسبب الاكتشاف في وجود مخاوف داخل إدارة أيزنهاور بشأن الاستقرار الإقليمي والانتشار النووي، لكنه تسبب في الانزعاج لأن المسؤولين الإسرائيليين على جميع المستويات قدموا أقل من إجابات موثوقة عن أسئلة الولايات المتحدة حول ديمونا.

كانت إحدى الحلقات التي ساعدت في خلق شعور بالخداع هي الرد على الأسئلة الرسمية الأمريكية الأولية حول موقع البناء، قال الإسرائيليون إنها ستكون مصنع نسيج، وعلى مر السنين اكتسبت قصة «مصنع الغزل والنسيج» مكانة أسطورية، ولكن عندما ظهرت القصة كانت لغزا، لكن كشفت مؤخرا وثائق الحكومة الأمريكية برقية السفارة ومذكرة نائب رئيس البعثة التي ساعدت في حل اللغز التاريخي.

- أثناء رحلة مروحية في سبتمبر 1960، مع السفير الأمريكي أوجدين ريد وموظفيه، سأل السفير ريد عن موقع البناء الكبير، فأجاب مضيفهم، المسؤول الكبير بوزارة الخزانة أدي كوهين «لماذا؟ هذا مصنع للنسيج».

- في ديسمبر 1960، عندما كشف عن قضية ديمونا علنا، سئل كوهين عن سبب قوله «مصنع الغزل والنسيج»، فأجاب «تلك كانت قصتنا في ذلك الوقت»، واعترف «كنا نتصرف بشكل سيئ» عن طريق الحفاظ على سرية ديمونا، لكنه برر المشروع بأنه رادع ضد الجيران العرب.

غضب وردة فعل أيزنهاور

اكتشاف إدارة أيزنهاور خلال الأشهر الأخيرة من عام 1960 أن إسرائيل كانت تبني مجمعا نوويا كبيرا سرا في ديمونا جاء متأخرا بالفعل، وحدث بعد أكثر من خمس سنوات من التزام إسرائيل السري الوطني بإنشاء برنامج نووي يهدف إلى توفير خيار لإنتاج أسلحة نووية، عقب ثلاث سنوات من توقيع إسرائيل على الصفقة النووية السرية الشاملة مع فرنسا، وبعد عامين أو أكثر من بدء أعمال الحفر والتشييد الواسعة في موقع ديمونا.

وتظهر الوثائق غضب إدارة أيزنهاور عندما علم بديمونا، حيث كانت هناك فجوة كبيرة بين ما قاله كبار المسؤولين الأمريكيين لبعضهم البعض حول ديمونا وما قالوه للإسرائيليين.

من ناحية كان الأمريكيون مقتنعين بأن الأدلة التي جمعوها تشير إلى أن مشروع البلوتونيوم موجه لإنتاج الأسلحة والذي يحتمل أن يكون سلاحا يشكل خطرا كبيرا على الانتشار. فشعروا بالغضب لأن الإسرائيليين كانوا يحاولون التغطية على أعينهم بكل أنواع الإجابات المراوغة والقصص المضللة، ويبدو أن لديهم كثيرا من الشكوك حول قصة بن غوريون الجديدة. من ناحية أخرى، أخفت الإدارة غضبها وشكوكها، وباختيار مقاربة حذرة، اختارت ألا تكون تصادمية، بل تقتصر على:

  • طلب إجابات عن ديمونا ونوايا إسرائيل.

  • تشجيع إسرائيل على قبول زيارات العلماء الأمريكيين والموافقة على تطبيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت ضمانات لديمونا، كوسيلة لتقييد حرية التصرف الإسرائيلية، وهناك تلميحات إلى أن الدبلوماسيين الأمريكيين حذروا الإسرائيليين من أن المساعدات الاقتصادية الأمريكية يمكن أن تتعرض للخطر، ولكن مع بقاء أسابيع فقط في السلطة، لم تكن إدارة أيزنهاور في وضع يسمح لها بإكراه حليفها بشأن هذه القضية.




فشل المخابرات الأمريكية

لتقدير السياق التاريخي الكامل لفشل المخابرات الأمريكية، علينا أن نقول قليلا عن مشروع ديمونا نفسه، في عام 1955، بعد فترة وجيزة من عودة ديفيد بن غوريون إلى السلطة كرئيس للوزراء ووزير الدفاع في إسرائيل، أطلق مبادرة جدوى سرية لتحديد ما إذا كان بإمكان إسرائيل بناء بنية تحتية نووية لدعم برنامج يهدف إلى إنتاج متفجرات نووية.

وفوض بن غوريون هذه المهمة الصعبة إلى شمعون بيريز الذي كان يشغل منصب المدير العام لوزارة الدفاع، وخلال ثلاث سنوات من 1955 إلى 1958، فعل بيريز تقريبا المستحيل، لقد نجح في تحويل فكرة برنامج نووي وطني من رؤية غامضة للمستقبل إلى مشروع تكنولوجي حقيقي قيد الإعداد.

وعلى عكس رئيس لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية ديفيد إرنست بيرجمان الذي بشر بالاعتماد على الذات، كانت فلسفة بيريز الشاملة هي أنه يجب على إسرائيل ألا تعيد اختراع العجلة، وبالتالي يجب عليها العثور على مورد أجنبي يمكنه توفير الحزمة النووية الأكثر شمولية ممكنة.

كانت تلك السنوات الثلاث مليئة بالمداولات الداخلية والمناقشات والتخطيط. في كثير من الأحيان فحصت مسارات مختلفة للعمل في وقت واحد، على مسارات متوازية أو حتى متضاربة. تم اعتبار ثلاثة بلدان على الأقل في وقت واحد أو آخر المورد الأجنبي: الولايات المتحدة وفرنسا والنرويج والمملكة المتحدة إلى حد محدود. ومن المنظور التاريخي يبدو أنه بحلول عام 1958 أصبحت الخطة الرئيسية الدولية للمشروع مرسومة بحزم: فرنسا ستكون المورد الأجنبي، والنرويج ستوفر المياه الثقيلة، وربما النسخ الاحتياطي في حالة تعطل البطاقة الفرنسية، والولايات المتحدة تقدم حزمة سلمية صغيرة، تحت عنوان «ذرات السلام»، يمكن أن تكون بمثابة تمويه للمشروع بأكمله، ومعظمها كوسيلة لإخفاء الإنجاز الحقيقي لإسرائيل - ديمونا - عن الولايات المتحدة.

اللوبي الإسرائيلي بأمريكا

وضع الكشف العلني المحتمل عن ديمونا إسرائيل، خاصة رئيس الوزراء بن غوريون، في معضلة: كيف ينبغي أن يكون رد فعلها على الكشف؟ ماذا يجب أن تقول إسرائيل وما مدى مصداقيتها؟ هل يمكن لإسرائيل أن تخبر الحكومة الأمريكية بشيء واحد على انفراد وشيء آخر للعالم؟ كان السؤال هو ما إذا كان ينبغي لإسرائيل أن تختار طريق الحقيقة أو طريق الغموض والخداع.

اختار بن غوريون طريق الغموض والإخفاء، أعلن أن ديمونا كان مشروعا علميا مدنيا بحتا، للتدريب على استخدام الطاقة النووية في التنمية الاقتصادية، وأعلن في بيان للكنيست في 21 ديسمبر 1960 «كان هذا لأغراض حصرية سلمية»، وقد قدم بن غوريون في تأكيداته الخاصة للولايات المتحدة، بعض المعلومات الجديدة، لكنها كانت متوافقة تماما مع روايته العامة.

من الواضح أن إدارة أيزنهاور لم تكن لديها شهية للوقوف على خدعة بن غوريون، ولم يكن الرئيس المغادر مهتما بتصعيد مشكلة ديمونا إلى مواجهة دبلوماسية، وهو ما لم يكن ممكنا، حيث كان كل ما هو مدرج بالفعل في جدول أعماله، ونظرا لأن العلاقات مع إسرائيل كانت جيدة نسبيا، كان لإسرائيل لوبي داخلي كبير في قلب الولايات المتحدة، وربما الأهم من ذلك أن إدارة أيزنهاور كانت في أيامها الأخيرة في السلطة، فسمح البيت الأبيض لوزارة الخارجية بالتعامل مع هذه القضية تحت السيطرة الدبلوماسية حتى تولت إدارة كينيدي الجديدة السلطة.

الدول التي ساعدت إسرائيل

- الولايات المتحدة

في 12 يوليو 1955، كانت إسرائيل ثاني دولة توقع اتفاقية عامة مع الولايات المتحدة للتعاون النووي السلمي تحت عنوان «Atoms for Peace».

في البداية، اعتقد قادة لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية أن المساعدة الأمريكية يمكن أن تكون نقطة الانطلاق لبرنامج نووي إسرائيلي أصلي إلى حد كبير، وتمشيا مع هذه الرؤية، خلال الفترة من 1955 إلى 1956، حاول رئيس اللجنة بيرجمان معرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقدم المساعدة لبناء «مفاعل حقيقي». فقدم بيرجمان طلبا رسميا في يوليو 1956 من خلال رسالة موجهة إلى رئيس لجنة الطاقة الذرية لويس شتراوس.

في سبتمبر، أخطرت لجنة الطاقة الذرية إسرائيل أنه يمكن القيام بذلك ولكن فقط تحت رعاية اتفاق ثنائي جديد للطاقة النووية يتطلب اتفاق ضمانات أكثر صرامة من اتفاقية الأبحاث الثنائية الأصلية لعام 1955. وعندما سألت إسرائيل عن السبب، قيل إن «قدرات إنتاج البلوتونيوم» تتطلب ضوابط أكثر صرامة، عندها أصبح واضحا أن الولايات المتحدة ستصر على ضمانات صارمة.

- فرنسا

بحلول أوائل 1956، ومع تكثيف العلاقات العسكرية، أصبح بيريز مقتنعا بأن فرنسا يمكن أن تتطور إلى مورد إسرائيلي نووي أجنبي وتتصرف وفقا لذلك، لكن تأميم قناة السويس في ذلك الصيف هو الذي أوجد الانفتاح السياسي لاتفاق نووي فرنسي إسرائيلي.

في سبتمبر 1956، توصلت هيئة الطاقة الذرية الفرنسية ولجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية إلى اتفاق من حيث المبدأ لبيع مفاعل أبحاث صغير من نوع EL إلى إسرائيل، وبعد شهر حصلت الصفقة النووية على موافقة سياسية رفيعة المستوى. ومع ذلك، كانت صفقة 1956 محدودة للغاية في الحجم والنطاق، كما أنها لم تتضمن محطة فصل المواد الكيميائية وتكنولوجيا إعادة المعالجة ذات الصلة.

- النرويج

ابتداء من عام 1955، ضغط بيرجمان على حكومته للحصول على 20 طنا من الماء الثقيل بسعر رخيص، وإذا أمكن دون ضمانات.

خارج الولايات المتحدة، كانت الشركة النرويجية نورسك هيدرو هي المنتج الوحيد المتاح للمياه الثقيلة، وفي أوائل عام 1956، تقدمت إسرائيل بطلب إلى الولايات المتحدة، لكنها تقدمت أيضا بطلب إلى النرويج، عبر القنوات السياسية بشكل غير رسمي، لمعرفة ما إذا كان بإمكانها تزويد إسرائيل بـ 20 طنا من المياه الثقيلة، كان الرد الأولي للنرويج أنه بسبب الطلبات الحالية سيكون من المستحيل القيام بذلك قبل نهاية عام 1960، وعندما أصبح نهج واشنطن يائسا، أصبحت إسرائيل أكثر اهتماما بالإمداد النرويجي.

كانت اكتشافات الأدوار الفرنسية والنرويجية في المشروع النووي الإسرائيلي بمثابة اكتشاف لإدارة أيزنهاور، لكن كان من المفاجئ أكثر أن تكتشف أن لديها بالفعل أدلة في حوزتها لم تتم متابعتها إلا بعد فوات الأوان. توضح الوثائق كيف سعت إدارة أيزنهاور خلال الوقت القصير المتاح لها لربط الخيوط ببعضها البعض.

أقاموه في قلب صحراء النقب وادعوا أنه مصنع للغزل والنسيج

فرنسا لعبت الدور الأكبر.. والمخابرات الأمريكية فشلت

اللوبي الإسرائيلي داخل واشنطن سيطر على غضب أيزنهاور

3 دول ساعدت في بناء المفاعل النووي.. والهدف ردع العرب

الأرشيف الأمريكي يوضح للمرة الأولى تفاصيل إنشاء مفاعل ديمونا