ياسر عمر سندي

المملكة.. منصة التشارك الديني والتبادل المعرفي

الأربعاء - 14 أغسطس 2019

Wed - 14 Aug 2019

جميع العبادات تعتبر شمولية، أي إنها شفهية وحركية مكانية وزمانية منطوقة ومضمرة، تتميز بالحرية والمرونة في التوقيت والأداء واستدراك ما مضى بالقضاء.

والحج شعيرة تشاركية ومعرفية عظيمة أفردها العزيز القدير بميزة تعبدية مقيدة عن سائر العبادات لفظيا وحركيا، فهي تؤدى بشكل جماعي واجتماعي بالتضرع والابتهال والمبيت والنفور والسؤال والمشي والانتقال، وتقيد بلباس موحد ومكان محدد وزمن معلوم وقول غير مذموم، فمن ينوي الحج عليه لبس الإحرام والتوجه إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والوقوف بعرفة في يوم التاسع من ذي الحجة، والابتعاد عن الرفث والبهرجة والزينة قولا وعملا، والانتهاء عن الجدال وكثرة السجال في الأفعال والأقوال، والتفرغ لهذا الركن الأعظم بالحرص والاجتهاد للخروج منه عاريا من كل الذنوب مكتسيا بنعمة القبول.

ذلك التشارك المهيب قيضه العليم الخبير للمملكة العربية السعودية ومكنها بقدرات وإمكانات لمساعدة ضيوف الرحمن باستنفار جميع قواها البشرية الأمنية والمدنية في جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لاستقبال القادمين من كل أصقاع الأرض ومختلف الجنسيات باختلاف القبائل والشعوب وتعدد الألسن والألوان وتباين الأجسام والأعمار، ملبين أمر خالقهم وكلمته التي وجه بها إبراهيم عليه السلام، حيث قال عز وجل في محكم تنزيله (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) الحج الآية 27.

فحكمة التجمع في هذا المكان والزمان لها أهداف ربانية كتبها المولى عز وجل على بني البشر، ومنها تحقيق المشاركة التعبدية بالامتثال لأمر الخالق وتلبية لدعوته ليشهدوا هذا التجمهر المليوني بالحصول على ما ينفعهم من أمور دينهم ودنياهم، قال تعالى (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) الحج الآية 28.

ومن قديم الزمان كان الحجيج يفدون إلى المملكة ومعهم بضائعهم ليعرضوها وينتفعوا من بيعها، وأيضا يستفيدون من شراء البضائع المحلية والهدايا التذكارية ليرجعوا بها إلى بلادهم، وحاليا نجد الحجاج يأتون محملين بالعلم والمعرفة والمهارة الضمنية الكامنة ليطرحوها باستراتيجية النقل الحر والتقبل للآخر بالتعامل اللفظي والسلوكي المتبادل، وبالمقابل يتلقون المعرفة التي توفرها حكومة خادم الحرمين على مختلف الأصعدة، ومنها الدينية والتجارية والاقتصادية والتقنية والتاريخية من خلال زيارتهم لمكة المكرمة والمدينة المنورة.

ورؤية المملكة 2030 للحج وزيادة أعداد الحجيج تعد من الأهداف الاستراتيجية بإتاحة الفرصة لمن سخرهم الله لخدمة ضيوفه بالاستعدادات المسبقة والتجهيزات المنضبطة وتهيئة الأجواء الروحانية، وضمان راحة الحجيج، لما فيها من فوائد دينية في المقام الأول، تبرز مكانة المملكة بين الدول العربية والإسلامية والعالمية، وزيادة مطردة أيضا قائمة على الاقتصاد المعرفي تعود على المملكة بالخير والنماء، من خلال تحقيق التشارك البشري الكبير المحمل بالعقول والأفكار من جميع الأطياف لإحداث التبادل المعرفي.

هذا التبادل المعرفي أحد أهم المنافع التي يجنيها الحجيج الوافدون والمستضيفون الوطنيون، فهنالك من الحجاج من هو أكاديمي وطبيب ومهندس ومعلم ودبلوماسي ورجل أعمال، وغيرهم كثير من مختلف الشرائح المجتمعية والمهنية الرفيعة والمتوسطة والبسيطة من كل أرض ليجتمعوا تحت مظلة خيمة تضمهم ليل نهار، يتناقلون الخبرات ويتعرفون على مختلف الإنجازات ويستمتعون بمختلف التجارب والإمكانات ويتعايشون في انسجام تام واحترام عام في أوقات وعدد من الأيام.

وكل حاج وحاجة يسجلون مواقفهم المستفادة لينقلوها إلى أوطانهم بلهفة واشتياق بطريقة مباشرة وحية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليعودوا بذاكرة معرفية وفيرة وصورة ذهنية منيرة مغفوري الذنب مقبولي التوب، فهنيئا للمملكة كونها منصة تشارك ديني وتبادل معرفي عالمي لخدمة ضيوف الرحمن.