أحمد الهلالي

القوة الناعمة وتبديل القناعات!

الثلاثاء - 30 يوليو 2019

Tue - 30 Jul 2019

نسمع أحيانا تعبير (فلان متحجر) وهذا الوصف يطلق غالبا على الشخصيات العنيدة المتشبثة بآرائها ومواقفها عن (قناعة)، وهي الاقتناع التام بصحة الرأي أو التوجه، بناء على مرجعيات فكرية، فتكون قوة القناعة موازية لقوة المرجعية ومتانتها، هذا للمجمل العام، أما بعض الشخصيات فهي شخصيات عنادية ربما تتخذ العناد طريقة لتقديم الذات، وهذه حالات خاصة لا تعنينا في شيء هنا.

بعض القناعات تافهة، مثل أن الشخص لا يمكن أن يلتذ بالشاي إلا في نوع مخصص من الكؤوس الزجاجية، أو لا يستطيع الكتابة إلا بنوع مخصص من الأقلام أو الأحبار، ولا يمكنه النوم إلا على نوع مخصوص من الفرش، وهذه القناعة من السهل تبدلها بتبدل الحال أو الظرف، وبعضها قوية جدا مثل القناعة بالمعتقد الديني، فنحن نشاهد بعض الممارسات التي نعتبر أصحابها مجانين لا عقول لهم، لكنهم ليسوا كذلك، لكن المرجعية التي شكلت قناعاتهم كانت قوية بما فيه الكفاية ليمارسوا تلك الطقوس، والأهم مما تقدم أن كل القناعات قابلة للتغيير والتبدل متى ما جاءت مرجعية أقوى من المرجعية التي تشكلت بفعلها القناعة الأولى، ونحن على المستوى العلمي نقرأ ونسمع ونرى تبدل مواقف علماء كبار قديما وحديثا عن فتاوى أو آراء علمية أو فقهية أو شخصية تجاه مسائل كثيرة.

تبديل القناعات القسري غالبا لا يجد صدى، وإن حدث بفعل التجريب فإنه يكون بطيئا، ولا يكون مفعوله بسرعة التغيير المبني على الحوار والإقناع، خاصة إذا صاحبته عملية صياغة مرجعيات أقوى نستطيع إحلالها مكان المرجعيات الأولى، ومن معايب التبديل القسري المفروض بسلطة أعلى أنه يدفع أصحاب القناعات الراسخة إلى اصطناع جلباب يتماهى به الشخص لتحقيق مصالحه، لكنه يعمل في الخفاء بقناعاته الراسخة التي لم يستطع التغيير القسري زحزحتها.

الآباء مثلا، يفرضون قناعاتهم على أبنائهم، ويجبرونهم قسرا ـ دون قصد ـ على ارتداء أقنعة مزورة، فتكون للابن شخصيتان، الأولى: يظهرها لوالده، والثانية: تظهر عندما يخلو بنفسه أو مع رفاقه، وهذا الفعل من الأب أشبه ما يكون ببناء سور غليظ بينه وبين ابنه، فسيكون الابن حريصا جدا على الظهور أمام الأب بالمظهر المنشود، ولأنه يمارس ذلك عن وعي؛ تندر أخطاؤه العفوية التي تكشف للأب شخصية ابنه الحقيقية، وعلى هذا فكثير من الآباء يُصدم حين يكتشف شخصية ابنه الحقيقية في إدارة المدرسة أو في مركز الشرطة، فيحمّل ابنه أو رفاقه أو المدرسة أو المجتمع اللوم كله، بينما الحقيقة أنه الملوم.

يشيع اليوم استخدام تعبير (القوة الناعمة) وهي القوة الذكية المبنية على مرجعيات قوية في مخاطبة الآخر وإقناعه بخطاب لا مباشر، ودغدغة مشاعره ووجداناته وعقله بما يليّن أسس قناعاته، فيكفي اليوم أن تشاهد مادة إعلامية أو درامية مؤثرة أو تقرأ إبداعا أدبيا رصينا، أو عملا إنسانيا نبيلا، أو لوحة فنية، أو مقطوعة موسيقية، أو نجما رياضيا أو سينمائيا مرموقا، أو عالما مميزا، أو اختراعا نافعا للإنسانية، فكل هذه وغيرها تقدم لك الآخر بصورة أجمل مما تسمع أو تظن، فتبدأ بمراجعة قناعاتك في الصورة المتشكلة في ذهنيتك بفعل الخطاب المضاد عن ذلك المجتمع أو تلك الأمة، أو على الأقل تكون أيقونة تدفعك إلى البحث والتثبت عمّا يشاع حولها.

نحن في أمس الحاجة إلى العناية بقوتنا الناعمة، لدحض الخطابات السوداء والرمادية التي تحاول تشويهنا عند الآخر، وبحاجة ماسة إلى زلزلة القناعات التي يعمل الظلاميون على ترسيخها عنا في نفوس أجيال مجتمعات عربية وإسلامية وعالمية، ولا مناص من تكريس الجهود وتفجير الطاقات في هذا الاتجاه، ولدينا كافة المقومات التي تصنع قوتنا الناعمة لمواجهة هذا الكم الهادر من محاولات التشويه الممنهجة ضد وطننا ومجتمعنا، ولعل الحج من النقاط الأقوى التي بدأنا استغلالها عمليا في رسم صورة ناصعة للإنسان السعودي، وحكومته الرشيدة، ولدينا مزيد.