عبدالحليم البراك

فوضويات الكوفيهات

الاثنين - 29 يوليو 2019

Mon - 29 Jul 2019

فوضى المكان: لا توجد سمة واحدة للكوفيهات السعودية، ولا هوية، فكل مالك من ملاك هذه المقاهي إن زار بلدا ما، وأعجبه المقهى نقل صورته من هناك، بثقافته وشكله، فصارت المقاهي خليطا من التراث السعودي، والأمريكي، والأوروبي والآسيوي، إلا الصيني الذي لم أره بعد!

فوضى الزمان: القهوة بطبعها صباحية المزاج والوقت، و»تشرب على مهل» كما يقول الشاعر الفلسطيني الكبير «محمود درويش» أما هنا فالقهوة أصبحت بلا مزاج زمني، فهل نعزو ذلك لفوضى «متى يصحو أولادنا من نومهم» فإن أفاق من نومه ظهرا فهذا صباحه، ووقت قهوته، وبعضهم يصحو الصباح فعلا، لكن الساعة الثانية صباحا، الذي ليس له من الصباح إلا اسمه، فيجد مقهى في هذا الوقت المتأخر، والخلاصة أنها مقاه تعمل، بكل زمن!

فوضى الأسعار: يقول صاحبي اشتريت لابني كوب قهوة بدجاجة ونصف الدجاجة، فضحكت وقلت له: كيف؟ قال لي: أسعارهم مبالغ فيها، فأحد أنواع القهوة يكلفك 27 ريالا، وهو ما يعادل دجاجة مندي ونصف، فضحكت، وتعجبت من مقاييسه، فرددت عليه ساخرا وممازحا، ألم تحسبها بالخبز، فأنت كمن اشترى 108 أرغفة من الخبز تكفي شهرا كاملا، ولكن الأمور ليست هكذا يا صديقي، يكفي أن تقول إن أسعارهم فاحشة.

فوضى المزاج في الكفيهات، إذا استثنيت كلا من «القهوة التركية، والإسبريسو، والقهوة السوداء التقليدية»، فإن كل طعم لكل نوع لديهم يختلف من «كوفي شوب» إلى آخر، حتى لا تكاد تتشابه إلا بالأسماء فقط، فالطعم يتوقف على قهوة إيطالية في مقهى سعودي بأيد آسيوية بأجواء وديكور أمريكي!

فوضى الأسماء: صديق آخر، يختلف طبعا عن الصديق الأول، يقول: دأبت ابنتي على أن تطلب مني قهوة إيطالية، حتى شعرت أنها مدمنة على هذا النوع من ثقافة روما الفاخرة أو ميلانو العامرة، حتى زرت روما مع ابنتي، وطلبنا قهوة إيطالية حتى تتذوقها من مصدرها الأصلي، وتفاجأنا بقوله: لا يوجد قهوة إيطالية، هل تريد إسبريسو أو قهوة تركية، يضيف صاحبي: هل لعب علينا أصحاب الكافيهات بهذه الأسماء، ونسبتها لدول ليست موجودة فيها؟! الجواب لدى مدمني القهوة من أصدقائنا الشباب، والجيل الجديد، وثمة قهوة بالبستاشو، وطبعا لو قلت قهوة بالفستق، فأنت تخترق عالم القهوة العالمية، فيجب عليك أن تقول «بالبستاشو» وإلا أفسدت المزاج برمته، فالأسماء الإنجليزية لا تعرب وفق رؤية الجيل الجديد، وإلا فقدت لمعانها، وكل أمنياتي الحارة أن يسمع بذلك أحد كبار السن الذين يتذوقون القهوة العربية الرائعة ونقول له: هذه قهوة بالفتسق! توقع عزيزي القارئ بماذا سيضرب قائلها هذا الرجل المسن!

فوضى التاريخ: أما فوضوية التاريخ فهي أن يأتيكم شاب عشريني يقول لك أنا مدمن قهوة، أو صباحي «يتلخبط» إن لم يبدأ بقهوة، ثم يطلب «كابتشينو»، ألا يعرف هؤلاء أن القهوة تاريخ شعوب، فالهيل «وحمسة» «القهوة الهررية» في دم عجائزنا، والقهوة التركية جزء من تاريخ الأتراك والشام، والقهوة الأمريكية مرتبطة بتاريخ تجارة القهوة العادلة وغير العادلة في التاريخ الأمريكي!

أخيرا: فقد التزمت بتسميتها «كافيهات، وكوفي»، مع حرصي على التعريب، لكن لو عربتها لاختلطت مع كلمة (مقاهي) الخاصة بمحلات الأرجلية الشبابية الشهيرة، تلك التي لا تحمل أي تباينات إلا جلسة وشيشة وإضاءة خافتة ونظافة رديئة، كما أنه من باب الإنصاف ونقد الذات، كاتب هذه المقالة، له كتاب بعنوان: أصنع قهوتي بنفسي، حتى لا يتحكم بمزاجي أحد!

@Halemalbaarrak