محمد أحمد بابا

ما لكم كيف توظفون؟

السبت - 27 يوليو 2019

Sat - 27 Jul 2019

الموارد البشرية قصة معرفة وعلم وتمهين وظائف، وحين ركضت الخطط محقة نحو إسدال الستار على مصطلح «شؤون الموظفين»، وبات التوق نحو شفافية الاستحقاق ومسار عدالة الفرص هاجس المسؤولين، ظهرت فجاج البيروقراطية من جديد لتسد أمل شاب سعودي في وظيفة حكومية لأسباب برجوازية!

تلك حقيقة تصدمك حين يقول لك رأس هرم في جهاز حكومي: بأنهم طرحوا وظائف ليتقدم لها الشباب السعودي لكنهم يشترطون ألا يقل معدل الشهادة الجامعية عن «جيد» وبعضهم عن «جيد جدا» وبعضهم يشترط نسبة معينة.

ليكون من تخرج في الجامعة بصك شرعي أكاديمي رسمي موثق بأقل من تلك النسبة عرضة للمثل العامي «أن يبلّ شهادته ويشرب ماءها» ممسوحا من قائمة الفرص وميدان السباق الوظيفي لدى المنشآت (إلّي شايفة نفسها) على بعض من شبابنا السعودي، كما هو هذا المسكين (عم مقبول) الذي لا يحلم ولو نائما بأن تسمح له جامعة في وطنه بإكمال دراسة عليا طالما تخرج في السفلى بهذا التقدير الفاضح، وهو أيضا لقمة سائغة للمضغ ثم النثر من قبل القطاع الخاص ما لم يداهن في أمور كثيرة، ويصبر على جحيم تطفيش.

الحجة الواهية أن أعداد المتقدمين كثيرة، وأن المتخرجين بنسب كبيرة أكثر من الفرص المعروضة بمراحل، ثم فزاعة وشماعة هي الطامة الكبرى يلمح حولها المسؤول بأن الجهات الرقابية ستلومهم وربما تعاقبهم على تعيين من تخرج بتقدير «مقبول» وفي السوق وقوائم التقديم من تخرج بتقدير «ممتاز» مع مرتبة الشرف الأولى، وستتهمهم بالفساد.

وجدتني هنا قد اختلط رأسي فهما، بين مساق السباق الأكاديمي لمواصلة تحصيل أو تدريب أو بحث علمي، وبين مساق السباق الوظيفي الذي يعتمد على شرارة الشهادة ثم نقاط أخرى في معايير متعددة، ربما بعضها في بعض أحسن من آخرين، والفيصل في النهاية مجموع التقويم، فعرفت بأن القوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا - عسى الله أن يعفو عنهم - بما أوهموا به من يتابعهم، مما لا عدل لهم فيه ولا إنصاف إلا اتباع الظن.

وتذكرت تهنئة بوش الابن قبل فترة في محاضرة بجامعة أمريكية عريقة للحاصلين على معدل (D) أنهم هم رؤساء وقادة المستقبل، في الوقت الذي أقسمت فيه الهيئة الملكية للجبيل وينبع وأنظمة التشغيل الذاتي في تجمعات وزارة الصحة، وربما مؤسسة النقد والهيئة العامة للزكاة والدخل وغيرها، أن لا يدخلنها اليوم عليهم مسكين من نوعية (العم مقبول).

فمن لفَظته إحدى جامعاتنا بتقدير منخفض متخرجا فهو البائس الحزين الذي صار يكره صفحة الوظائف في الصحف وإعلانات التوظيف بسبب هذا الشرط (الضرار) الجائر الظالم الذي ليس له من نظام الموارد البشرية الحكومية مستند، إلا من يحلو له استغلال العموميات لتوجيه هجمات وطعنات الإحباط لشبابنا السعودي الطموح القادر الخبير، صباح مساء.

لو أن فتى سعوديا تخرج في الهندسة بتقدير «مقبول» وعمل خمس سنوات في شركة معتبرة في الإنشاءات، وكان متقنا للغة الإنجليزية وتلقى برامج تدريبية في تخصصه ذات صدق وإكساب مهارات، ولا يريد سوى فرصة الخضوع للاختبارات أو المقابلات أو بطاقة تقويم عادلة تجمع نقاط الملف، فإن أول نقطة تفتيش في سيرته الذاتية ستطرده حين يقال له: نحن لا يستقبل نظامنا التقني ولا الوظيفي معدل «مقبول» نعتذر لك، وتلك عنصرية وظيفية بامتياز، وتصنيف معياري مسبق صادم، وهضم لتساوي حقوق المواطنين في وطنهم واضح الجرأة والتمييز.

ما لكم كيف توظفون؟ وما لكم كيف تحكمون؟ وما لكم كيف تقررون؟ والأصل في الوظيفة المعدة للمورد البشري الجدارة وليس التصنيف، والجدارة مجموع معايير كفائية، جزء منها الشهادة، والشهادة رخصة عبور وليست مادة ممايزة إلا لمواصلة نوعيتها، فمن نجح في اختبار رخصة القيادة استحق دخول الدوار ثم هو يزيد مهارته أو يوقفها أو يعطلها، والأصل في التقدم للفرص تساوي الفرص وكفاءتها، أم أنتم عاجزون وبرامجكم التقنية عن تصفية وتقويم أعداد هائلة من المتقدمين، فتقلمون الشجرة أولا بأول حتى لا يظهر ضعف جذعها الذي تظلمونه سقيا وسمادا؟

albabamohamad@