يسرا حمد الرفاعي

المعلم السعودي وشاطئ الأمان

السبت - 20 يوليو 2019

Sat - 20 Jul 2019

منذ عام مضى تحديدا في المنتدى الدولي للمعلمين أدهش المعلم السعودي الخبراء الدوليين بقدراته وخبراته وكفاءاته وإبداعاته، الخبراء جاؤوا بهدف نقل خبراتهم وخرجوا بخبرات أقوى اكتسبوها من المعلم السعودي.

كل تلك الدهشة كانت من نسبة قليلة من المعلمين، فيما الميدان مليء بمن هم أكثر إبداعا وعطاء وتميزا.

المعلمون المبدعون الذين أتحدث عنهم معظمهم في بيئة تعليمية فيها من القصور والعجز والنقص ما لا يوصف، ومن الخيبات والضغوطات ما لا يقال ولا يحكى.

مبان قديمة وضيقة، أعداد طلاب تتجاوز الـ 50 طالبا في مساحات ضيقة تنعدم فيها مقومات البيئة التعليمية، بل وكثير منهم في مناطق نائية يعجز عنها الشداد ما بين سفر، واغتراب، ومسافات، وضغوطات إدارية وقوانين إجبارية ومطالب شتى. يدفعون مبالغ كبيرة للسائقين، لتجهيزات فصولهم، لمكافآت وحوافز الطلاب، ورغم ذلك كله يؤدون الأمانة على أكمل وجه.

كان الميدان متشوقا لإعلان اللائحة التعليمية الجديدة، وكله أمل في أن تكون محفزة له وداعمة لمزيد من العطاء ودافعا للتنافس الشريف، تطلع المعلمون القدماء لتعويضهم عما خسروه من درجات سلبت بغير وجه حق ما بين مطرقة البند (105) وسندان المادة (18أ).

تطلع المعلم الذي كافح واجتهد لنيل شهادة عليا ليكون له مزايا تقديرا له. تطلع المعلم المعطاء لتكون له مكافأة تميزه عن غيره وتقدر جهده وبذله.

لكنها جاءت عكس ذلك تماما! جاءت لتقصم ظهر الأمل، وتحبط الجميع بلا استثناء، فلا المعلم القديم عاد حقه وقُدِر، ولا المعلم الذي نال شهادة عليا نال نصيبه، بل إنها جاءت لتسلبه حتى علاوته وهي الميزة الوحيدة التي كانت له!

تساوى الجميع تحت مسمى معلم (ممارس) وأقصي دور الخبرة والشهادة. هل فكرتم ماذا لو ترقى المعلم لرتبة معلم (خبير) وكان قائده أو المشرف عليه على رتبة ممارس؟ كيف يقيمه من هو أدنى منه رتبة وكفاءة؟

بخستم حق المعلم وهو أساس عملية التعليم، وخفضتم أساس الراتب / والتقاعد / والعلاوة، وأعطيتم القائد والوكيل والمشرف مكافأة!

من الأولى بذلك؟ من يجاهد مع الطلاب في شتى الظروف؟ أم من يجلس على مكتبه تحت التكييف مهما كانت مهامه يكفيه الهدوء؟ أعطوهم ما شئتم، لكن لا تبخسوا حق المعلم. مع الأسف لقد غفل من أسس بنيان هذه اللائحة وكل من شارك في وضعها عن حقوق المعلمين والمعلمات وأغمض عينيه عن جهودهم وجهادهم!

وخط بنودها سيفا على علاواته وعلى درجاته، وكأنها هي السبب في ضعف مخرجات التعليم وتراجع مؤشرات الأداء! بل حتى الترقية للرتب جعلت أمامها عقبات تكلف المعلم جهدا لا علاقة له بمهنته ودوره وقلة من يتجاوزها لأننا نعلم أن اختبار الرخصة سيجتهد المسؤولون عنها في وضع أعظم العقبات أمام المعلم، بل ولربما يأتون بالخبراء الدوليين لصياغة الاختبار لها!

المعلم الذي أمضى 10 أعوام وأكثر في الدول المتقدمة يرونه مدرسة تربوية صقلته الخبرة وتحارب الميدان ثم تأتي اللائحة لتقول له اختبر واحصل على الرخصة لتثبت لنا أنك معلم كفء وتستحق العلاوة والترقية! ألم تشفع له إنجازاته كل تلك السنين؟ التلاميذ الذين تخرجوا على يديه، الأداء الوظيفي الذي ناله، مساهماته وإنجازاته، كل ذلك قذفتم به جانبا وتطلبون منه اختبارا تنظيريا يثبت كفاءته! وليته بالمجان، بل اختبار إجباري يدفع مقابله، وهو وحظه، ربما يجتازه من أول تجربة أو يكرره مرات حسبما تسعفه ذاكرة الحفظ لا الخبرة.

حتى القرارات التي تخصه جعلت أمام الملأ، وفتح المجال لكل فئات المجتمع كلقمة يعلكونها ما بين شامت وحاسد ومتعاطف! أهان قدر المعلم ومكانته وفضله على أطياف المجتمع.

هل نهجت باقي الوزارات هذا النهج من قبل وأعلنت قراراتها لموظفيها علانية عبر القنوات ووسائل الإعلام؟

لا والله لم يفعل ذلك سوى وزارة التعليم، أخبرونا لم كل هذا العداء تجاه المعلم؟ لماذا؟ ما هكذا يقدر المعلم يا كرام! ولا هكذا يرد الجميل، ولا هكذا يحفظ المعروف، إن شئت إنصافا أعد لكل ذي حق حقه، أعطه درجته وفق سنوات خدمته، أعطه مستواه وعلاوته وفق شهادته، ثم ابدأ بتمييز المعلم المجتهد عن غيره بجعل اللائحة حوافز ومكافآت، وكل معلم وجهده وقدراته ينال نصيبه منها.

ختاما: ما زال عندنا أمل كبير في وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ بأنه لن يتركنا وسيقف معنا ويأخذ بسفننا لشاطئ الأمان. وتذكروا «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان».