محمد أحمد بابا

الوهم البديل والدفن البديل

السبت - 13 يوليو 2019

Sat - 13 Jul 2019

كم من تقليعة أو شكل سحر القلوب والعقول دون أن يفرق بين صغير ولا كبير، ليس لشيء سوى لأنه شاع هنا، وانتشر هناك، وطُلب هنا ولكنه بالتأكيد لم يُخلق هنا.

ويبدو أن نظرية إظهار العيوب في بنت الجيران من قبل الأم ناجحة لترغيب ابنها القادم من أمريكا في الزواج من بنت خالته المهيأة له، ونظرية شتم النظام من قبل المترشحين لدخول مجلس جديد هي الناجحة في جذب الأصوات، لتنصرف الأنظار عن حقيقة برامج هؤلاء أو خبايا نواياهم، ويبدو أن الطريقة التي تتبعها الشركات المنتجة لمساحيق الغسيل بإظهار آثار مسحوقهم مقارنة بين مرات ومرات للمسحوق «العادي» هي الطاغية في إقناعنا بالبديل.

وربما الشعور بالملل من فعل الأشياء قائد لافتراس التسويق لنا بسهولة لنرتمي في أحضان البديل والاستبدال، أو أن الاكتشافات الخطيرة المزعومة تؤثر على مسيرة النجاح السريع في تسويق «خلطة» للتخلص من الصراصير بدون روائح، أو ترويج «مادة» مستخرجة من قرن الغزال الأيسر تطرد «الثقلاء» من المجالس بدون إحراج أو انتباه منهم.

وفي الطب البديل عالم من المساحات الفارغة التي اقتحمها أهل الفرص ومنتهزو الغفلات، ليرموا فيها شباكهم مستظلين بالمجال العلمي ومحتمين برونق الاسم وجاذبية الشكل، فجعلوا من كل ما يحلو لهم علاجا، ومن كل ما يأتيهم من بقاع الأرض دواء، وقالوا عن الأوراق والأشجار والحشائش والأحجار الكريمة والحقيرة ما لم يقله مالك رحمه الله في الخمر، وغدت الاستطبابات ضربا من ضروب الحدس، والاستشفاء صنفا من صنوف التخمين.

في البرازيل وحسب تقرير مصور تورده وكالات أنباء: تشرف الدولة بشكل مكثف على استخراج الدواء الناجع والنافع من كل ما تنبته الأرض، وتنشئ معامل ومراكز أبحاث لهذا الغرض، وتستعين بأهل الخبرة والتجارب من غير المتعلمين أكاديميا في كتابة تاريخ كل نبتة ومواطن كثرتها وأغراض استخدامها لديهم، وتقارن بين تلك المعلومات المعطاة ونتائج التجارب التي وصل إليها المختصون في مختبراتهم، وعلى ضوء ذلك تقرر تحفيز زراعتها أو منعها إن كان فيها من الخطر ما يهدد الجسم البشري، وعجيب أن تكون دولة في أقصى الأرض تتبنى هذا النظام الرائع من الجمع بين المواد الطبيعية والصدق في المعلومات، والأعجب أن يمر من حدودنا الجمركية كثير من مواد حُمّلت من الوظائف ما لا تحتمل.

قضية التبديل تعصف بأجواء الحياة بشكل غير مقتصر على الطب وتدليل الأجساد، فالمدخنون وجدوا لهم طريقا نحو «سجائر» الكترونية بديلة وهمية، وهذا التصرف الحاني من المفكرين في عواقب التدخين السرطانية جعلني أنحاز تلقائيا إلى فكرتي الأولى بأن الهدف ليس إنسانيا البتة، وإنما هو كإفراغ الكأس من الخمر القديمة واستبدالها بأخرى معتقة.

ولعله مع الأيام يأتي من يفتينا بجواز «الدفن البديل» باستخدام الطريقة الهندوسية بحجة عدم وجود شواغر من القبور، أو أن ذلك أنفع للبيئة، أو قد يأتي زمن يكون فيه «النوم البديل» هو الحل لمشكلة المساكن والمنازل بحيث يخترعون عقارا أو شاشة أو أية مصيبة توهم الشخص بأنه قد نام وارتاح وتعطي للجسم إشارة بأن موعد استيقاظه قد حان، وبهذا الأمر لا يحتاج لسرير ينام فيه، ولا لليل يسكن فيه.

لا ننكر أبدا أن في العالم من يهتم بالتخلص من المواد الضارة واستبدالها بمواد لا ضرر فيها أو أقل ضررا طالما ذلك في حدود الممكن والمعقول، لكن استغلال هذا التوجه النبيل لتكون نتائجه على الفرد غير نبيلة هو دس السم في العسل، فالحملة «الخضراء» التي يروج لها بعض المهندسين بهذا اللون الأصيل جعلت طريق بعض التجار سهلا ودربهم أخضر دونما عناء، فدعاية واحدة باللون الأخضر كفيلة بأن يستغني كافة أهل الخليج عن الشماغ الأحمر لأنه عدو للبيئة.

وتكلفة تغيير محرك السيارة من محرك بنزين إلى محرك غاز كانت في البداية أمرا معقولا في القاهرة مثلا، ولكنه الآن ذهب إلى أرقام خيالية تعادل قيمة ما يستخدمه سائق التاكسي من بنزين خلال عام كامل ولا عليه من تلويث بيئة لم تشعر به ولا بجيبه ولم تقدر ظروفه حتى يقدر هو احتياجها لأن تبقى طبيعية، ولكي تبني بيتا على نظام صديق للبيئة عليك أن تكون من أصحاب الملايين وإلا فبيت من «اسمنت» مغشوش أكرم لك ولجيبك وبيئتك.

كل عاد للطبيعة واعتبرها بديلا وروج لنفسه على أنه المحافظ على البيئة والحريص على كيان الإنسان، والجميع يدعي وصلا بليلى ولكن ليلى لا أظنها ترضى بغيرها بديلا عنها، أما الطبيعة فأي شيء في هذه الدنيا ليس طبيعيا؟ ونحن قد قيل لنا صغارا بأن أصل الأشياء كلها يرجع للأرض مهما تدرج التركيب، وأما ما يفعله العطارون اليوم فإنه يفسد ما أصلحه الدهر، وما يفعله بعض الأطباء اليوم يزرع في الأعضاء ما يجعلها تتمنى لو تبرع بها صاحبها حيا، وأما الوهم فبئس للظالمين بدلا.

albabamohamad@