عبدالله المزهر

الخنزير الحلال..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 07 يوليو 2019

Sun - 07 Jul 2019

كتبت في الأسبوع الماضي مقالا عن الحركة النسوية ـ أحط ما وصل إليه العقل البشري ـ ولا أنكر سعادتي بالتفاعل الذي وجده المقال. وقد سعدت بالردود الغاضبة المتشنجة أكثر من سعادتي بالردود في الجانب الآخر.

سعيد بالردود التي شتمت شخصي بكافة أنواع الشتائم والاتهامات، لأنها أثبتت لي أني كنت تكلمت عن حركة منظمة موجودة بالفعل، لم يكن المقال يتحدث عن كائنات متخيلة. وقد قدموا أنفسهم بالشكل المتوقع تماما، قيل إني تكفيري وداعشي وإخواني، ولم تبق منظمة مشبوهة في العالم إلا تم منحي عضويتها مجانا من الإخوة والأخوات النسويين والنسويات. طبعا بالإضافة إلى الصنف الآخر من الشتائم مثل ظلامي ورجعي ومتخلف وجاهل، وهي شتائم تأتي غالبا كهدايا مجانية مع الصنف الأول من الشتائم. وربما أنا سعيد لكوني تعرفت على أنواع أخرى من الشتائم لأني قبل سنوات وحين كان الإخوان وإخوانهم في موقع قوة وتأثير كنت أتهم بأني تغريبي عميل للسفارات أقرب للزندقة من أي شيء آخر.

ولأنه لم يناقش أحد فكرة المقال نفسه فقد قررت أن أناقش نفسي بنفسي، وأبدأ من نقطة مهمة وجوهرية في الردود على المقال السابق الذي قلت فيه «إن المرأة في السعودية ـ على سبيل المثال ـ كانت ـ ولا زالت ـ تعاني من بعض الإشكالات الاجتماعية والقانونية التي ظلمتها وهضمت حقوقها»، وقلت في آخره «أن مقاومة هذا الفكر لا تعني الإقرار بظلم أحد ولا تعني منع البشر ـ رجالا ونساء ـ من المطالبة بحقوقهم» أ. هـ.

لكن أحدا من المهاجمين لم يلتفت لهذا، ولم يقل أحد «لا مشاحة في الاصطلاح»، وأنه لا تهم التسمية بقدر اهتمامنا بأن تحصل المرأة على حقوقها، لم يفعل أحد ذلك لأن الحقوق ليست هي الهدف، حين تمتدح الحركة النسوية فسيغفر لك النسويون ما عداه حتى لو كنت ساديا تطالب بسحل الناس في الطرقات، لكن أن تطالب بالحقوق وتدافع عن المرأة وعن الرجل وعن كل مظلوم ثم يكون لك رأي بأن النسوية حركة مشبوهة فسيتم اتهامك بكل التهم التي حوتها الأبجدية.

والذي تهمه الحقوق صدقا لن يكون مهتما بالتسميات، لكن لماذا الإصرار على التسمية Feminism والتمسك بها أكثر من التمسك بالحقوق نفسها؟! أظن أن سبب ذلك يعود إلى أن فكرة النسوية لا تقبل التجزئة، لا يمكن أن تكون نسويا ثم تقبل أحكاما ونصوصا دينية ليس فيها مساواة بين الجنسين. وفكرة النسوية مرتكزة أساسا على أنه لا يوجد إلا جنس واحد.

والمساواة تبدو كلمة جميلة، لكنها لا تعني العدالة، فالمساواة قد تعني الظلم في كثير من حالاتها، والمساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء ظلم للمرأة وللرجل في آن واحد. وهذا أمر لا يمكن أن تتقبله الحركة النسوية، لا بد أن يكون كل شيء موافقا لما تتبناه «المرجعية» ويؤمن به المرشدون خارج الحدود.

وبما أن العالم يتجه إلى الحضيض فإني واثق تماما أنه لو نشأت حركة تدعم جنس الأطفال ودعمت إعلاميا وروج لها في الأفلام والمسلسلات لوجدت الذين يتحدثون عن زواج القاصرات اليوم يروجون لجنس الأطفال غدا من باب الحرية وأن ذلك ليس مرضا. وستتم أسلمتها بشكل أو بآخر. لا يمكن استبعاد أي شيء مما يمكن أن يصل إليه المهزوم ثقافيا.

ثم إني لست ضد أن يعتنق أي إنسان ما يشاء، حتى لو عبد الصراصير فهذا شأنه، لكني لا أستسيغ فكرة أن يخترع أحدهم دينا مسخا يجمع فيه ما يروق له من كل مذهب ومعتقد ودين وتيار ثم يسميه الإسلام. اجعلوا النسوية نفسها دينا واعبدوا مجسما لآلهة الشذوذ، سيكون ذلك أكثر واقعية ومنطقية من فكرة «النسوية الإسلامية» التي تبدو مضحكة، لأنها تبدو مثل فكرة «الخنزير الحلال».

وعلى أي حال..

ليس معيبا أن يدافع عن الدين من يعتقد أنه هويته، لكن «بعض الناس» لديهم استعداد للدفاع عن أي شيء، وأن يتبنى حتى قضية طلاق البطاريق، لكنه يتحسس من الدفاع عن «هوية الدين» ويعتبر ذلك تخلفا ووصولية وتسلقا من أجل مآرب أخرى. مع أنه يمكن أيضا أن يقال عمن يدافع عن وجود «النسوية الإسلامية» إنه يتمسح بالدين ويريده سلما للوصول لمآربه وإلا لماذا يحشر «الإسلام» في أمر لا علاقة له به.

agrni@