محمد أحمد بابا

التبريد في قاعات التدريب

السبت - 06 يوليو 2019

Sat - 06 Jul 2019

ربما الفرق بيننا نحن (العرب) وبين غيرنا من المجموعات البشرية هو طبيعية استعجالية تسكن جميع تصرفاتنا وطقوسنا الحياتية والعملية، ولا أستبعد أيضا أنها تتخذ من أفكارنا وعقولنا مكامن تخدير، نستخدم مخرجاتها في استهلاكنا اليومي فقط، دون الحاجة لأن نشغل بالنا بأنماط أخرى، سوى بهرجة خارجية.

فرؤيتنا للتدريب كإجراء مستقل عن بقية المكتسبات والمهارات الأخرى لدى الفرد أو الجماعة جعلتنا نسعى لدخول كتاب (جينيس) للأرقام القياسية في عدد ساعات التدريب حسابيا، وعدد المراكز والمعاهد والفروع التي تزعم أن نشاطها تدريبي موجه لإيصال المستفيد لمرحلة الممارسة المستقلة في موضوع الدورة أو الحلقة.

فالصحف وأماكن الإعلان والإشهار تعج هذه الأيام من السنة بمسيرات هائلة من الدعاية لدورات تدريبية في مجالات مختلفة، لجميع مستويات العائشين في الوطن العربي من الناظرين لهذه النتوءات والورم في ألوان المجلات والدوريات بعين الانبهار والرغبة في الاستفادة من هذه العروض (المخيفة) لهم أو لأبنائهم وبناتهم، سواء عرف رب الأسرة وصاحب المال مادة التدريب وخطته ونتائجه المتوقعة وجدواه أو لم يعرف.

فالقضية تتلخص لدى المؤسسات الخاصة وشركات سلكت طريق الربح في هذا المضمار أن تشبع إعلانها تأثيرات لونية أو جاذبية، وتوكل أمر التدريب لمن يحسن (تزويق الكلام) والتودد للمشتركين، ومن ثم حسن الضيافة الطعامية والشرابية مما لذ وطاب، لتختتم الدورة بشهادات فيها خطوط جميلة مغرية وتوقيعات مبتكرة توضع في (كفرات) وأغلفة رومانسية أو حمائمية تشرح صدر المتدربين.

والأمر عند أولياء الأمور والآباء والذين يعانون من عدم القدرة على السيطرة على أبنائهم وبناتهم في الإجازة الصيفية هو إجبار هؤلاء الفتية والفتيات على الالتزام بدورات لا يرغبون فيها وليست من اهتماماتهم ولا ميولهم، لمجرد رغبة (رئيس الأسرة) في استمرار شعوره (الارتياحي) ببرنامج تعود عليه أيام الدراسة أن الأولاد لديهم ما يشغلهم، فهو بذلك يملأ قلبه بالأمان من (الفلتان) الذي يخشاه كما يعتقد.

أما فئة المفتشين عن (عمل) فهم تيقنوا أن جميع المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة أصبحت تركب (موضة) السيرة الذاتية (‪CV‬) التي يأخذ الجزء المخصص للدورات التدريبية حيزا خياليا من أسطرها المرتبة بهندسة زخرفية تسر الناظرين، فينال بذلك رضا المتفحصين للملفات، فهم في عجلة من أمرهم ولديهم القدرة الخارقة على (فهم الكتاب من عنوانه)، لذلك يسعى هؤلاء الشباب والشابات لتجميع أكبر قدر من هذه الشهادات المتوفرة لدى (سوبرماركات) التدريب.

وإذا وصل الأمر للقطاعات الموكول لها العناية بأمر التدريب في مراجعنا النظامية والمؤسسات العاملة فإن الحال لا يعدو كونه (تقليدا أعمى) أو (جريا خلف سراب) لن يدركه راغبه يوما، فالأهم هو تقديم تقرير تفصيلي في آخر كل سنة أو نصفها يحمل أرقاما فلكية لعدد الساعات، وأرقاما جمركية لعدد الدورات، موثقة بصور فيها من إبداع التصوير والابتسامات ما يجعل المسؤول يطمئن على مدى الجهد المبذول في إعداد مثل هذه التقارير، وبالتالي سيفهم أن عملية التدريب في مؤسسته أو دائرته أو قسمه تسير بهيئة تدعو للفخر والاعتزاز.

هم يفهمون التدريب مادة وخطة تدريبية ومناخا مناسبا ومدربا قادرا وحوارا بناء، ومحاولة وإعادة، وتقويما ابتدائيا ومرحليا ونهائيا، وممارسة حقيقية وواقعية، وفروقا فردية بين المتدربين والمستهدفين، وتحديدا للاحتياجات المؤسسية والفردية، وتقديرا للقدرات وترتيبا للمهارات والسلوكيات والجدارات اللازم تحقيقها في نهاية البرنامج.

لكن الواقع رأى ولمس بحسه الدقيق (حرارة) احتياجنا للتدريب كي نلحق بسباق لا ينتظر الكسالى ولا العاجزين، ولا يملك لنا من العون والاستجابة لاستغاثة الحميم تلك إلا (تبريدا) لمواقع الهيجان بثلجيات التدريب، والتي ما تلبث أن تذوب ويعود ألمنا من حرارة واقعنا أعظم مما كان، لأتأكد أننا نستعجل الشفاء فيزيد وجعنا.

albabamohamad@