عبدالله زايد

جائزة نوبل تنتظر!

الثلاثاء - 02 يوليو 2019

Tue - 02 Jul 2019

إنه لشيء مذهل أن أعظم أسرار الحياة قاطبة تمثلت في جانبين متناقضين ومختلفين تماما في كل شيء؛ في الحجم، في الوظيفة، في الشكل، في عدم فهمنا لهما، الأول: الكون الواسع الفسيح الذي لا حدود له، والثاني: العقل الصغير الذي تحمله رؤوسنا، الكون والعقل هما أكبر الأسرار التي واجهت الإنسان وعجز عن كشفهما واحتار فيهما تماما، ومعظم ما تجده يدور في فلكهما لا يتجاوز حقائق قليلة مثبتة، مع كثير من النظريات التي تحتمل الصواب والخطأ، فضلا عن خرافات لا تعد ولا تحصى.

كل واحد منهما لم يفصح ولم يكشف عن الأسرار ولا عن الآليات ولا العمق ولا الجوهر، وإن أردت معرفة مدى سطحية معلوماتنا، سواء في الكون أو في العقل، يمكن النظر لكل واحد منهما نظرة فاحصة ودقيقة.

بالنسبة للكون الشاسع يمكنك استشفاف حجم الجهل والسطحية المعلوماتية التي نعانيها بسهولة متناهية، حيث لا تحتاج إلى أي صواريخ ولا تلسكوبات ولا مناظير، فقط استلق في ليلة مظلمة بعيدا عن النور وانظر للسماء المحملة بالنجوم وجل بنظرك، ستجد أنها جولة تشبه تلك التي كان ينظر بها الآباء والأجداد، لا تملك إلا الذهول والصمت المحير.

صحيح أننا في هذا العصر رأينا رحلات نحو الفضاء وشاهدنا الصواريخ التي ترسل نحو السماء، لكننا حتى هذا اليوم لم نضع اليد على حقائق مثبتة أو كشوف ملموسة، رحلات الفضاء نخبوية محدودة، مقارنة بتاريخ حلم الإنسان بالطيران ومقارنة بحلم السفر عبر الكواكب، لا يوجد عند البشرية اليوم أي منجزات لاختراقات حقيقية، حتى المريخ والرحلات التي يجري الحديث عنها مجرد فرضيات وسيناريوهات، وأفضل ما جرى إرسال روبوتات ومسبارات التقطت صورا محدودة بالزمن والمكان والتوقيت، لكن ليس للإنسان أي تحكم أو سطوة أو وجود فعلي تعطيه معلومة واضحة مسلما بها حتى تاريخه.

لم يضع الإنسان خطواته على أي كوكب أو على أي نجم، بل حتى الإعلان عن هبوط أول إنسان على سطح القمر عام 1969 ما زال هناك من يشكك في صحته، وهل تمت فعلا أم إنها كانت مجرد خدعة سينمائية جاءت في ظروف حرب باردة بين معسكرين شديدي التنافس - ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي وأمريكا - وهذا التشكيك من قطاع واسع من الناس ومن علماء يوضح حجم معرفتنا الحقيقية بالكون.

أما العقل البشري فلا يمكن فهمه ولا فهم آليات عمله ولا حدود قدراته، بل يوجد تباين واضح وشديد بين عقل وآخر، هذا العقل غير المفهوم تدين له البشرية بكل خطوة نحو التطور والبناء والازدهار والنمو، هذا العقل يقف العالم أمامه إجلالا وذهولا مما فعله ويفعله كل يوم، كل واحد منا مدين للعقل ولفعاليته وقوته وتمكنه، ورغم هذا وحتى اليوم لم يتمكن طبيب واحد من الاقتراب منه ولا من اختراق قدراته أو فهمه، ونعلم جميعا أن جميع العمليات الجراحية في الدماغ على قدر هائل من الحساسية والخطورة.

رغم أنني أجزم بأن البشرية ستشهد قفزات أخرى في مجالات الطب وغزو الفضاء، إلا أنني أعتقد أن الكون الواسع سيكون أكبر من فهمه، وأن العقل البشري رغم صغره سيكون أصعب من الإلمام به، لكنهما يبقيان ميدانا حقيقيا ومواتيا لكل طموح من الدارسين والباحثين والعلماء، فالأسرار كثيرة وتنتظر من يفصح عنها، وجائزة نوبل تنتظر!