ياسر عمر سندي

ضَعُف الطالب والمطلوب

الأربعاء - 26 يونيو 2019

Wed - 26 Jun 2019

الإنسان بطبعه كائن يحب المشاركة، وهنالك مخلوقات تزامنت معه لتعيش في هذا الكوكب جنبا إلى جنب لخدمته ومساعدته على ظروف الحياة، ولتحقيق التوازن البيئي ولتكون دليل تعجيز وتمييز لتبيان الضعف لسائر المخلوقات أمام قدرة القوي العزيز، وفي هذه السطور أود أن أسلط الضوء على سلوكيات بعض الدواب والطيور والحشرات وتصرفاتها تجاه الإنسان.

فمنذ العهد القديم من نوح عليه السلام وتحديدا بغرق الأرض عندما حمل على سفينته الدواب والطيور من كل زوجين اثنين، تشكلت أول انطلاقة لهذه السلوكيات البينية للحيوان مع الإنسان، وبدأت تلك المخلوقات اللاعقلانية بالانقياد للمخلوقات العقلانية بفطرتها، وفي علم النفس المقارن الذي يبحث في سلوكيات الحيوانات وتطوراتها مع احتياجات الإنسان وسلوكياته، ومن وجهة نظري السلوكية أبرزها تباعا بالآتي:

• سلوك الطواعية والإذعان، من خلال انصياع الحيوانات للأمر وصعودها لسفينة نوح عليه السلام.

• سلوك العقاب والردع الذي لعب الدور فيه طير الأبابيل حينما تصرفت بحمل ورمي الحجارة النارية بأمر ربها على المخلوق البشري العاصي لأمر ربه، ومن سلوكيات العقاب أيضا ابتلاء فرعون وقومه بالقمل والجراد والضفادع.

• سلوك الوفاء والعشرة من الكلاب للإنسان أثناء تربيتهم المنزلية وما تقدمه من حراسة ومعونة في صيد الطرائد.

• سلوك التعزيز والتثبيت، عندما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام عند سؤال ربه حول كيفية إحياء الموتى، وذلك بأخذ أربعة من الطير وتفريقها على كل جبل، ومن ثم يأمرها بالإتيان سعيا، فكانت له أكبر شاهد عيني وإثبات يقيني للاستقرار الإيماني.

• سلوك الشجاعة والإقدام الذي ينقله الخيل في التعامل مع صديقه الأزلي الإنسان في وقت رواحه وغدوته وحربه وغزوته.

• سلوك التأمل والتفكر بالنظر إلى الإبل، خاصة لأبناء البادية العارفين بتشريح سفينة الصحراء، وذلك لإشباع الجانب الروحي من هذا المخلوق العجيب والجميل في تكوينه وخلقه وخلقته وفسيولوجيته وفوائده التي يجدها الإنسان في أبوالها ولحومها وألبانها ووبرها، فيقنع ويطيب بإذن الله.

• سلوك الطمأنينة والسلام في طير الحمام حين أغلقت حمامة غار ثور على النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه إبي بكر رضي الله عنه، وما تملكه من قدرة تواصلية لنقل الرسائل البريدية بين الناس.

• سلوك الاستئناس والمعايشة من القطط، وخير مثل الصحابي الجليل عبدالرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه يكنى «بأبي هريرة» لهرة كان يطعمها ويستأنس بها.

• سلوك الإبداع التعبيري والشجن للفن واللحن من بعض الطيور كالبلبل والببغاء والطاووس في تغريدها وصوتها وجمال شكلها، لإشباع الجانب الحسي المرهف للإنسان.

• سلوك العدوانية والوحشية من فصيلة السنوريات كالأسد والنمر، ومن فصيلة طيور الجوارح كالعقاب والنسر.

• سلوك التعجيز

والإعجاز من الحشرات، والذي تحدى بها القوي المتين الثقلين الجن والإنس في موضعين، الأول عندما استعمل نبي الله سليمان الجن بالسخرة في بناء القصور وصنع المحاريب والتماثيل، وحين وافته المنية عليه السلام وهو قائم متكئ على عصاه ما دلهم على موته إلا حشرة صغيرة دابة الأرض، استمرت في أكل عصاه حتى سقط.

والثاني عندما ضرب الله مثلين في البعوضة الصغيرة في حجمها وما فوقها أقل وأصغر خلقا، وفي الذبابة، هذان المخلوقان اللذان يعتبرهما البشر أقذر المخلوقات كونهما تتسربان في كل مكان ولأي بيت، وتتغذيان على أي شيء، سواء كان نافعا أو ضارا وتنقلان الأمراض، فالتحدي بهما إعجاز بحد ذاته فكيف قدرتهم على خلق مثلهما.

والتحدي الآخر حين يسلب منهم الذباب أدق المأكولات وأقلها في الكمية، فهم حتما لا يستطيعون استرداده، فهم ضعاف في حيلتهم وأيضا في ردهم لحقهم من هذا المخلوق الضعيف، قال الخالق في محكم تنزيله ،يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب، سورة الحج 73.

فسبحان الخالق الذي سخر لخلقه خلقه وأعجز بخلقه خلقه.