عبدالحليم البراك

شيزوفرينا التعليم اللغوية

الاثنين - 17 يونيو 2019

Mon - 17 Jun 2019

تعرف الشيزوفرينا بأنها اضطراب نفسي يتسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي وفشل في تمييز الواقع. وأتوقع أن وضع التعليم في الوطن العربي يعاني من هذا الاضطراب الشيزوفريني اللغوي، وأي محاولة لاكتشاف هذا المرض الحقوق محفوظة لكاتب هذه السطور، وإن كان هذا الاضطراب يقع على الأفراد، فإنني هنا حقيقة لا مجازا؛ أتهم فيه حال التعليم، خاصة في مجال اللغة المعتمدة للدراسة، فهو يعاني من انفصام واضح في السلوك والمعايير والرؤية والضبابية، وكل كلمة تحتمل معنيين في آن واحد، وسأوضح ذلك بالتفصيل:

يحلم الآباء بتعليم أبنائهم تعليما علميا رائعا، وأول ما يفكرون فيه العناية بتعليم أبنائهم فيدخلونهم مدارس ما قبل المرحلة الابتدائية، ويحرصون على تعليم اللغة الإنجليزية فيها. وهذا شيء رائع، فمستقبل الطفل أهم شيء في الكون والوجود والحياة.

ينجب الآباء عشرات الأطفال في ظرف سنوات معدودة، فتزداد تكاليف الحياة عليهم، فيقررون أن يعودوا للتعليم العام الحكومي المجاني، فيدخل التلميذ الذي تعلم اللغة الإنجليزية في الروضة والتمهيدي للتعليم العام، حيث تعود اللغة العربية سيدة الموقف، فينسى ما تعلم هناك، بل تعلم أيضا كيف يلعب في حصة الرياضة كرة القدم بالثوب العربي الأصيل.

في المرحلة المتوسطة تطل اللغة الإنجليزية بوجهها الجميل، فيضطرب الطفل ويعود للإنجليزية المنسية، ويفرح الأهل بشرح الطفل للغة الإنجليزية لهم مثل (بي بعصا تحت أو عصا فوق).

في المرحلة الثانوية مرحلة تركيز دراسي عال، وتكاد تختفي الإنجليزية والتركيز كله ينصب على العلوم بمختلف تخصصاتها والرياضيات، وقبل الجامعة يدخل اختبارات تعود فيها الإنجليزية من جديد، من خلال عدة اختبارات إلزامية، اختبار للتوفل والأيلتس، واختبار خاص بالجامعة، ولولا الأفلام والمسلسلات والنتفلكس لما تجاوز معظم أطفالنا هذه المرحلة (مرحلة ما بعد الثانوي وما قبل الجامعة).

وفي الجامعة يدخل تخصصا لا علاقة له بالإنجليزية، فيدرس تخصصا كله (عربي في عربي) ناسيا اللغة الإنجليزية، ثم يعود للإنجليزية إن عمل في قطاع يتطلب ذلك، أو يعود في مرحلة الماجستير للاختبارات اللغوية، ثم يرجع للعربي دراسة. ثم يعود للاختبارات في مرحلة الدكتوراه ثم يعود للعربية أو لا يعود للدراسة في اللغة العربية في مرحلة الفلسفة في الدكتوراه.

وخلاصة الأمر أن هذه التحولات ما هي إلا الشيزوفرينا التربوية، وهي تطل برأسها المتردد المضطرب، والسؤال هو: هل نحن ندرس بالعربية أم بالإنجليزية؟ هذا السلوك التربوي الاجتماعي في تمييز ماذا نريد، ألا يتم حسمه في وقت حسمت فيه أشياء كثيرة؟ وحتى لا أتهم بأني في صف اللغة الإنجليزية، أستشهد برأي البروفسور رشدي راشد، وهو فيلسوف عربي يعيش في فرنسا ويدرس في جامعاتها وأستاذ زائر في جامعة طوكيو، والذي يقول: جميع الدول المتقدمة تدرس العلوم بلغتها الوطنية القومية، فرنسا بالفرنسية، اليابان باليابانية، أمريكا وبريطانيا بالإنجليزية.

بقي أن أقول: إن اعتمدنا اللغة العربية تنتعش حركة الترجمة، وإن اعتمدنا اللغة الإنجليزية لا نحتاج للترجمة ونقرأ بلغتهم وليس بلغتنا، المهم أن نستقر على رأي!

@Halemalbaarrak