عبدالله المزهر

الدول الصائعة..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 16 يونيو 2019

Sun - 16 Jun 2019

حين تقود سيارة غالية الثمن فإنك غالبا تكون أكثر حرصا وتعقلا أثناء القيادة، والعكس حين تكون سيارتك متهالكة خربة، فمن المتوقع أنك لن تكون مهتما بما سيحدث، أنت تشكل خطرا على كل السيارات التي تسير بجوارك لكن لا أحد يشكل خطرا عليك لأنه ليس لديك الكثير لتخسره.

والمكاسب الكثيرة تكون عائقا أمام المغامرات غير المحسوبة، العازب غير المسؤول عن أحد يكون أكثر ميلا إلى الطيش من رب الأسرة الذي يكون أكثر هدوءا وتعقلا ورزانة لأنه مسؤول عن آخرين.

وأظن أن هذه قاعدة يمكن أن تنطبق على الدول أيضا، هناك دول تهتم ببناء الإنسان والحياة، ولذلك تصبح مسألة الدخول في الحروب والنزاعات ليست ضمن اهتماماتها وتحاول تجنبها قدر المستطاع، وهناك أخرى ليس لديها الكثير لتخسره، والإنسان ليس موجودا أصلا ضمن قائمة اهتماماتها، ولذلك تعتبر الدخول في الصراعات وإشعال الحروب والفتن شيئا لا يبعث على القلق، فالقلق غالبا مرتبط بالخوف من الخسارة والفقد. ولكل قاعدة استثناءات بالطبع فحتى الدول الكبرى التي لديها فائض في القوة يمكن أن تمارس الطيش والتنمر على الدول الأصغر، لكنها تفكر في المكاسب والخسائر حين يكون الأمر متعلقا بنظيراتها في القوة.

ما يحدث في اليمن أمر محزن، وطول فترة الحرب شيء لا يستحسنه إنسان سوي، لكن التساؤل عن سبب طول هذه الحرب يبدو ـ بالنسبة لي على الأقل ـ غير منطقي، لأن الطرف الآخر ليس لديه مفهوم واضح للحياة، ليس لديه أشياء يرغب في المحافظة عليها وأن خسارته لها تعني خسارته للحرب، ليست لديه مشكلة أن يموت في اليوم ألف يمني، بل سيجد في ذلك مبررا لبقائه، وسيجد في صورهم فرصة للتكسب واستجداء التعاطف.

المشكلة التي تبدو أكبر ـ قليلا ـ من الحوثي هي أن إيران وهي الراعي الرسمي لمثل هذه المخلوقات في كل مكان هي نفسها تمارس ذات الدور، وأكبر مصادر قوة إيران التي تهدد بها جيرانها والعالم هي أنها تواقة لخسارة كل شيء، إنها تريد فعلا الكثير من الخراب لأن هذا مبدأ عقدي وديني هو أساس وجودها.

وهذا هو الأساس الذي قامت عليه فكرة «تصدير الثورة»، الإيرانيون أنفسهم لم يقولوا إنهم يصدرون «الحياة» وإنهم يريدون حياة أفضل للمجتمعات التي تستورد ثورتهم، هم يقولون صراحة إن كل ما يفعلونه هو تهيئة الأسباب التي تحفز ظهور المهدي، أي الكثير من الخراب.

والحقيقة أن عدوا مثل هذا محير فعلا، لأنه لا يمكن القبول بحياة بجواره، ولا يمكن تركه وشأنه لأن أساس وجوده معتمد على ألا يتركنا وشأننا. لا يمكن تهديده بتدميره لأن هذا هو ما يبحث عنه من الأساس. ولا يمكن السلام معه لأن السلام ضد فكرة وجوده.

وعلى أي حال..

العيش بسلام غاية كل الأسوياء، ووسيلتهم أيضا، ونحن ـ أي الناس ـ نريد أن نعيش الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا، فاللهم اكفنا شر أعدائنا وأصدقائنا والذين بين بين.

agrni@