عبدالله المزهر

الإنسان المهتاف والدولة المِصْدَح..!

الاثنين - 10 يونيو 2019

Mon - 10 Jun 2019

ولعلنا في بادئ الأمر نفرق بين أمرين يخلط بينهما كثير من الناس ـ نسأل الله السلامة ـ وأعني الفرق بين الميكروفون والسماعة أو مكبر الصوت.

فالميكرفون أو كما عربه العرب فأسموه المِهْتاف في رواية، والمِصْوات في ثانية، والمِصْدَح في رواية ثالثة، هو الأداة التي تلتقط الصوت وتحوله إلى طاقة كهربائية، وهنا ينتهي دورها، أما السماعة أو مكبر الصوت أو المِجْهَار فهو الأداة الأخرى التي تحول الطاقة الكهربائية التي أنتجها المصدح إلى صوت من جديد بطريقة أعلى وأكثر وضوحا وإزعاجا من الصوت الأصلي.

ثم إن المخترعين الأوائل ظنوا أن اختراعهم الجميل هذا سيبقى حصرا على الجمادات، المكونة من المعادن واللدائن التي تصنع منها المصادح والمجهارات، وقد كان ظنهم منطقيا، ولكن المنطق لا ينتصر دائما ـ كما تعلمون ـ فقد ظهر فئام من بني البشر لا يحسن أحدهم شيئا في الحياة إلا أن يكون مهتافا أو مجهارا. يتكلم كثيرا لكنه لا يعني ولا يعي ما يقول، هو يعيد إنتاج صوت آخر لا يراه المستمع، يصرخ لكن حباله الصوتية ليست أكثر من أداة تعيد إنتاج صوت بعيد بطريقة أكثر إزعاجا.

والإنسان المهتاف ـ أيها السادة والسيدات ـ الذي لا تتحرك شفتاه إلا لنطق الكلمات التي يقولها غيره أصبح ظاهرة، وأضحى متوفرا في كل المجالات وعلى الأصعدة والمستويات كافة، فهناك مهتاف مسؤول وآخر مواطن ومهتاف ذكي ومهتاف شديد الغباء، ثم إن النوع الأكثر شيوعا هذه الأيام هو المهتاف الإعلامي، وهذا النوع أصبح متوفرا إلى حد جعله رخيصا وفي متناول الجميع.

لكن الذي لم يكن في حسبان المخترعين الأوائل لهذه الأجهزة أن هناك دولا بكامل أجهزتها ووزاراتها ومسؤوليها أصبحت تؤدي دور مكبر الصوت، لا قيمة لها دون وجود متحدث في الطرف الآخر، وهي ليست مزعجة ومؤذية في حد ذاتها، لكن الصوت الذي ينتقل من خلالها شديد النشاز.

لبنان الشقيقة ـ على سبيل المثال لا الحصرـ هي في واقعها ليست أكثر من معرض لمكبرات الصوت، ومن يوصل أسلاكه لأكبر عدد منها أولا سيكون صوته هو الأعلى. وأحيانا أعتب على نفسي حين تستفزني خطابات حسن نصر الله أو تصريحات جبران باسيل، وغيرهما من تلك المعدات المنتشرة في ربوع بيروت، لأنه يبدو ضربا من الجنون أن تغضب من آلة أو أن تستفزك أداة وتناصبها العداء، وأنت تعلم يقينا أن مشكلتك مع مستخدمها وليست مع الأداة في حد ذاتها.

وعلى أي حال..

إن أعجبتك حياة المصادح وأردت أن تعيشها، فادع ربك أن يكون الصوت الذي ينتقل من خلالك جميلا لأنك من سيتلقى الشتائم حين يكون نشازا وقبيحا. المصدح المعدني لا يشتمه أحد وهذه ميزة لا يجدها نظيره البشري.

agrni@