عبدالله المزهر

ابكي كما يفعل الرجال!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 26 مايو 2019

Sun - 26 May 2019

لا أخفيكم أني تأثرت قليلا عندما رأيت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وهي تبكي في آخر كلمات خطابها الذي أعلنت فيه أنها ستستقيل من منصبها في قادم الأيام، تأثرت من بكائها ونسيت لوهلة أن هذه وسيلة النساء ـ حفظهن الله ـ في التعبير عما يردن قوله ـ وما لا يردن ـ ولا فرق في ذلك بين رئيسة وزراء أو رئيسة منزل. وهذه بالمناسبة ليست شتيمة أو انتقاصا فالبكاء أحيانا شيء جميل. لكن الإكثار منه يفقده قيمته، مثله في ذلك مثل أي شيء آخر.

البكاء لا يحل المشكلات الكبرى، وأظن والله أعلم أنها ـ أي تيريزا ـ لم تكن تسمع كثيرا للراحل فهد بن سعيد، ولم تسمعه وهو يترنم بأبيات محمد الجنوبي «ألا ليت البكا بيرد غالي.. لسيل وادي ما سال سيله».

ولم يكن لتأثري سبب واحد، بل إنه كان تأثرا مركبا له أكثر من سبب، ربما يكون السبب الأول هو أني لا أحب الدموع والبكاء ولحظات الوداع، فهذه اللحظات هي الأكثر بغضا بين كل لحظات الحياة، أما السبب الآخر للتأثر فهو أن الغرب ومهما اتسعت رقعة الخلاف بيننا وبينهم، وأيا كانت نظرتنا لهم أو العيون التي يروننا بها، إلا أنهم أولا وأخيرا إخوة لنا في الإنسانية، وجميعنا نعيش على كوكب واحد، وكلنا سنفنى في ذات الكوكب بعد أن يفقد قدرته على التحمل، ولذلك أشفق عليهم كثيرا وأتعاطف معهم وأدعو لهم بالشفاء من حساسيتهم المفرطة تجاه الأخطاء والفشل.

فالمسؤولون في هذه الأمم ـ عافانا الله ـ يستقيلون لمجرد أنهم لم ينجحوا في أمر ما، أو لأنهم لم يستطيعوا تطبيق أفكارهم على أرض الواقع، هكذا بكل بساطة ينسفون بأيديهم تاريخهم الطويل لمجرد أنهم فاشلون.

وهذه ليست سنة حسنة، ولا أمر يستحق الاحتفاء، فالإنسان يتعلم من أخطائه، وكيف ستنضج التجربة إن لم تكن مليئة بالأخطاء والكوارث. وقد يقول قائل إن الأخطاء قد تمس الناس وتؤثر على حياتهم، وهذا صحيح لكنه غير مهم، فالناس كثير لكن المسؤولين القادرين على تحمل المسؤولية قلة نادرة، ولذلك فاستمرارهم وتعلمهم من الأخطاء أهم من رغبات الناس وراحتهم. ثم إن الناس لا ينقرضون، ولا ضير أن يتضرر جيل من أجل جيل آخر.

وعلى أي حال..

لو تمعنت تيريزا ماي ونظرت جنوبا لرأت في عالمنا العربي الملهم مسؤولين يصرون على البقاء حتى وإن كانوا عاجزين حتى عن الكلام والحركة، وآخرين يتمنون أن يجدوا طريقة تساعدهم على البقاء في السلطة حتى بعد وفاتهم. وهذه دروس في الإصرار والتمسك بالأهداف لا يفهما الغربيون كثيرا لأنهم استمرؤوا الاستسلام والانسحاب عند أول فشل، نعوذ بالله من الخذلان وقلة الحيلة. فابكي يا تيريزا كالرجال على ملك لم تحافظي عليه كالنساء.

agrni@