عبدالله المزهر

غلاة الداجين!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 23 مايو 2019

Thu - 23 May 2019

كنت أتمنى أن يتم تصنيفي كمفكر، فأنا أفكر كثيرا، وأسرح بعيدا، وأتخيل أني أصبحت غنيا متسلطا ويراودني الكثير من الأفكار حول الطرق التي سأنتقم بها من بعض الناس حين يسلطني الله عليهم، ثم تراودني أفكار أخرى بأن الأفضل والأجمل هو أن أتسامح معهم، حتى أبدو غنيا متسامحا مع الأشرار، ولكن رغم كثرة تفكيري وهواجسي وتخيلاتي لم يتم تصنيفي على أني مفكر، مع أنه لم يبخل علي أحد بالتصنيفات الأخرى، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فقد قيل إني متشدد من محبي داعش، وقيل إني منحرف فاسق أحب أن تشيع الفاحشة بين الناس، وأنا واقف في مكاني لم أبرحه صامد صمود البلهاء.

والحقيقة أن قطار المفكرين الأفذاذ قد فاتني مسرعا بشكل لم أكن أتخيله، فقد أشغلتني الغاية عن الوسيلة، ولم أفهم قواعد اللعبة من البداية، فالإسلاميون يعتبرون المفحط أو المدمن السابق واعظا وطالب علم ويتقدم صفوفهم كأنه من أفيال رستم، والليبراليون ومن «لابرهم» يعتبرون المتشدد المتنطع الإرهابي السابق مفكرا وتنويريا يتقدم صفوفهم ليؤمهم لصلاة الفجر. (بضم الفاء ضما مبرحا).

أي أن التغيير متطلب رئيسي للقفز للصفوف الأمامية وضمان مقعد أساسي في تمثيل أي فريق. ولكني حين «فكرت» في التغيير لم أجد شيئا يمكنني تغييره، فلم أكن مفحطا ولا مدمنا ولا متشددا ولا صحويا ولا منحرفا، ولم أكن مغنيا ولا خطيبا ولا محرضا ولا مواليا ولا معارضا.

وبما أني أريد أن أكون مفكرا تنويريا على وجه التحديد، فإنه يلزمني العودة خطوات واسعة وكثيرة للوراء. لا بد أن أكون تكفيريا متشددا متنطعا كريها بغيضا، ولا ضير ولا بأس في تفجير هنا أو هناك، ثم التحول بعد ذلك إلى الجانب الآخر من التطرف. وهذه الطريقة في هذا الوقت صعبة للغاية، فلم يعد الأمر بتلك السهولة التي كان عليها سابقا، ولم يعد التطرف خيارا متاحا ومقبولا في سوق التيارات. وليس مؤكدا أني حين أعود لأول الطريق سأكون قادرا على المضي فيه حتى نهايته التنويرية، فأنا منحوس وقد ألقى حتفي بعد تفجير أول أسطوانة غاز.

وعلى أي حال..

أنا متردد الآن، وهذا الوقت مرحلة مفصلية في حياتي. أفكر في ترك تشجيع الاتفاق، فهو الشيء الوحيد الذي يمكنني تغييره، ولكني لست واثقا من أن التوبة عن هذا الأمر ستكون طريقا لقبولي. ولعلي أشدد على أمر قد لا يعرفه مسؤولو القبول في نادي المتحولين، وهو أن تشجيع الاتفاق أشد خطرا من التفحيط والإدمان، وحمل ثلاث أسطوانات وتفجيرها أهون بكثير من مشاهدة مباراة كاملة للفريق. اقبلوني مفكرا في فريقكم وسأدهشكم باختراعاتي وأفكاري. سأخبركم كيف أصلي بعيوني الناعسات، وكيف أحج وأنا نائم. فأنا ـ كما تعلمون ـ من غلاة الداجين.

@agrni